ميناء إسرائيلي على بحر غزّة
رصيف بحري، أو ميناء عائم، اثناهما مسمّيان لمخطّطٍ أميركي واحد أعلنه "مستر جينوسايد" الشهير باسم جو بايدن الرئيس الأميركي، ثم تتابعت الأخبار لتُكشف عن أنّ الرصيف أو الميناء المزمع إنشاؤه على ساحل غزّة من بنات أفكار رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو.
وبحسب ما نقله موقع صحيفة يديعوت أحرونوت، أول من أمس الأحد، عن مصدرٍ سياسي رفيع لم يسمّه، أنّ نتنياهو هو صاحب فكرة إقامة الرصيف البحري المؤقّت في قطاع غزّة الذي أعلنه بايدن في خطاب حال الاتحاد، الخميس الماضي.
إذن، نحن بصددِ عمليةِ توسيع حدود الكيان الصهيوني البحرية لتشمل إضافة ميناء إسرائيلي جديد على بحر غزّة، تتولّى عملية إنشائه واشنطن وتموّله عواصم عربية تتبع ما يسمّى "محور الاعتدال"، وهو المحور الذي كان من بنات أفكار نتنياهو كذلك في العام 2014، حين أعلن، وهو يحتفل بتمرير قرار يهودية دولة الاحتلال عن "حلفٍ إقليميٍّ جديد" يجمع إسرائيل ودولاً عربية باتت تُعرّف بأنها "معسكر الاعتدال"، وهو المحور الذي بات يتحكّم في مفاصل السياسة العربية، آخذًا على عاتقه مهمة القضاء على مشروعي الثورات العربية والمقاومة ضد الاحتلال.
تنبعث على استحياء أصوات التحذير والتعبير عن القلق من خطوة بايدن المغلّفة بقناعٍ إنساني زائف، وهو الشريك الأساس في قتل كلّ طفل وكلّ امرأة فلسطينية يمثلون 72% من ضحايا العدوان الإسرائيلي الأميركي على الشعب الفلسطيني المتواصل منذ خمسة أشهر وحصد أكثر من 31 ألف حياة، إذ يرى بعضهم أنّ فكرة الميناء (الإنساني) تخفي وراءها مخططًا خبيثًا للتهجير، فيما تنطلق صيحات الأنين من القاهرة بأنهم يريدون إحراج مصر وحرمانها من ورقة معبر رفح البرّي.
في الناحية الأخرى، لن يتوقّف بايدن عن لعبة الخداع الإنساني في محاولة تمرير مشروعه بزعم إدخال المساعدات إلى غزّة في ظلّ عدم قيام معبر رفح البري بالدور المطلوب، وبذلك يصبح الحلّ الوحيد هو هذا الميناء العائم الذي يستقبل الشحنات القادمة من قبرص تحت الإشراف الإسرائيلي الكامل، لتصبح اليد التي تقتل بالقصف الصاروخي وبسلاح التجويع، هي ذاتها اليد التي تدّعي أنّها تحمل الدواء والغذاء.
والحال كذلك، لا يمكن إحباط المخطط الأميركي الإسرائيلي إلا من خلال إجراء وحيد وبسيط، إدخال السلطات المصرية قوافل المساعدات من معبر رفح من دون انتظار للإذن الإسرائيلي، ومن دون التذرّع الساذج بأنّ "جيش الاحتلال سوف يضربنا"، وهي الحجّة التي تختبئ وراءها السلطات المصرية كلّما طالبها أحد بفتح المعبر الذي تتمتّع بالسيادة الكاملة عليه، وهي السيادة التي ستصبح في مهبّ الريح وتفقد أهميتها حال إنشاء الميناء الذي يريد بايدن إهداءه لإسرائيل وتشغيله.
ليس صحيحاً بإطلاق أنّ إسرائيل سوف تضرب كلّ شاحنة مساعدات تخرج من مصر إلى غزّة، إذ يمكن هنا تفعيل القرار الوحيد المحترم الصادر عن القمة العربية الإسلامية في الرياض، نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، والذي نصّ على "كسر الحصار على غزّة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع فوراً، ودعوة المنظمّات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية".
يمكن للقاهرة، إن كانت تريد فعلاً الوفاء بالتزامات الدور واعتبارات التاريخ والجغرافيا والدفاع عن مصالحها وأمنها القومي أن تدعو إلى اجتماع للدول الموقّعة على هذا القرار للنظر في القيام بواجباتها في تنفيذ القرار والوقوف إلى جانب مصر في أداء واجبها، الذي هو واجب 57 دولة وقّعت على قرار كسر الحصار.
ولا يكفي هنا أن يخرج وزير الخارجية المصرية، سامح شكري، بتصريح مجامل للغاية يعتبر فيه أنّ المخطط الأميركي "يعدّ جهداً مكملاً لمعبر رفح البري الذي يظلّ المنفذ الأساسي للمساعدات". ذلك أنّ القاصي والداني باتا يعلمان أنّ هذا التلعثم في ممارسة السيادة على معبر رفح هو إحدى أدوات المجاعة المفروضة على الشعب الفلسطيني.
الحاصل أنّ مصر والدول العربية تستطيع لجم هذا العدوان إن أرادت ذلك، لكنها للأسف تستمتع بحالة الفشل المزدوج في أدائها، والذي يبدو، في بعض الأحيان، فشلاً مع سبق الإصرار، لتراوح مكانها في هذه المساحة من العجز المقصود، فلا هي نجحت في التعاطي مع المأساة الفلسطينية باعتبارها قضية محدِّدة للأمن القومي العربي والمصالح القومية العليا، ولا هي نجحت في الاقتراب منها بوصفها قضية إنسانية في الحدّ الأدنى من معالجة الصراع.