مرض الإرهاب

28 يونيو 2015

لماذا؟ أمام موقع جريمة الإرهاب في سوسة (27 يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
خلال زيارة إلى تونس في سبتمبر/ أيلول الماضي، أتيحت لي فرصة اللقاء مع شرائح مختلفة من الشباب التونسي، ولفتت انتباهي ظاهرة التذمر الشديد المتفشية بينهم من الأوضاع التي يمر بها البلد، وكنت أخمّن أني سأجد حالة فرح وتفاؤل، لأن تونس فتحت صفحة جديدة في تاريخها، بعد رحيل نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، الذي قمع الحريات وسد الآفاق أمام الأجيال. 
لا تقتصر حالة التذمر على وسط شبابي بعينه، بل هي مستشرية بين كل الحساسيات السياسية، من أقصى الطيف الإسلامي حتى أقصى الطيف اليساري. هناك حالة عدم رضى ونقمة عارمة ضد الأحزاب والدولة والطبقة السياسية بكل توجهاتها. وإزاء هذه الظاهرة الخطيرة، هناك جملة ملاحظات يمكن تسجيلها. أولها أن قطاعاً واسعاً من الشباب يجد أن طريق المستقبل مسدود أمامه، ولا يرى أفقاً مفتوحا لبناء حياته، ومن بين هؤلاء نسبة كبيرة من الخريجين الجامعيين الذين لا يجدون فرص عمل لائقة، ما يفسر حالة النزوع إلى الهجرة نحو أوروبا كحلم قديم، في حين أن القارة العجوز تعيش أزمات اقتصادية كبيرة منذ عقدين، واللافت أن بعض هؤلاء الشباب كان قد جرّب الهجرة، وعاد فاشلاً كسيراً، وصار يدور في حلقة مفرغة، ولا يجد سبيلاً للخروج من وضعه المزري. والملاحظة الثانية، حالة الاغتراب السياسي التي يعيشها قطاع عريض من الشباب الذي وصل إلى حد القطيعة مع الطبقة السياسية، وهذا ما يفسّر جيداً حالة العزوف الشبابي عن المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. والخطير في الأمر، هنا، أن هذا القطاع متروك سياسياً، ولا توليه الأحزاب السياسية أهمية كبيرة من خلال إدماجه في حياة سياسية صحية، بل انهمكت النخب السياسية التي تصدّرت المشهد بعد الثورة، طوال ثلاث سنوات، في مماحكات سياسية وصراع أجندات أيديولوجية وحروب إقصاء انعكست على وحدة المجتمع التونسي، وأوجدت معسكرات وانقسامات واستقطابات حادة.
وتتعلّق الملاحظة الثالثة بالآثار السلبية التي خلّفها الحكم الديكتاتوري المديد على صعيد الهوية العامة للشباب التونسي، حيث ضلّ بعضهم الطريق بين حداثة مزيّفة لم تطل البنى الأساسية للمجتمع، وماضوية أسطورية جامدة وتكفيرية، تتحرك في صيغة خلايا معلنة شغلها الشاغل إشاعة الكراهية وتكفير الآخرين.
مناسبة الحديث عن تونس هي الحادث الإرهابي الذي ضرب منطقة سوسة السياحية. وما يبعث على الصدمة أن من قام بالعملية خريج جامعي. وهذا يحيلنا إلى الحديث عن مشاركة التونسيين في المنظمات الإرهابية في سورية والعراق، حيث أكدت تقارير أجهزة غربية أنهم يشكلون النسبة الأكبر، ومعظمهم حاصل على شهادات جامعية، وهناك منهم من يحملون شهادات دكتوراه.
يبعث هذا الوضع على الخوف من أن القادم أعظم، فإذا كان خريج جامعي قد وصل به الأمر إلى أن يحمل السلاح، ويقتل سياحاً أبرياء، وليسوا أعداء في أرض المعركة، فهذا يعني أن هناك خللاً كبيراً، سياسياً وأخلاقياً ونفسياً، وتتحمّل مسؤولية هذا الخلل المؤسسات كافة، الدولة والأحزاب والجامعة والجامع والعائلة. وغني عن القول إن الحالة التونسية ليست فريدة في عالمنا العربي، وهي لا تختلف كثيراً عمّا هي عليه الأوضاع في بلدان عربية أخرى. وبعيداً عن أي تبريرات للإرهاب الأعمى، علينا أن نعترف بأن مجتمعاتنا العربية تواجه مرضاً خطيراً يضرب في المقام الأول شبابها، وإذا لم تتضافر الجهود اليوم، ويجري استنفار سريع لمواجهة هذا الوباء، فإن مستقبل بلداننا مهدّد بالضياع، وسندخل، حينها، في حروب أهلية تأكل اليابس والأخضر. وإلى أن يحين استنفار المجتمع كله في المعركة ضد الإرهاب، فإن الدولة مسؤولة عن التصدي للظاهرة الإرهابية، والحجر على دعاة الإرهاب الذين يكفّرون المجتمع علانية، بوصفهم مرضى خطيرين يستحقون العزل التام. وإضافة إلى كل هذا، فإن الديموقراطية التونسية الوليدة هي المستهدفة.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر