متى تنفجر المواجهة مع الصين؟

16 يوليو 2023
+ الخط -

عقد حلف الناتو قمّته على حافة المعركة الدائرة في أوكرانيا، وقد اختارت قيادته موقعاً قريباً من الحدث، لترسل إشارة بأن هذه الحرب من أولوياته الملحّة، ولكن الرئيس الأميركي جو بايدن حمل معه إلى المؤتمر ملفّاً آخر يبتعد كلياً عن المنطقة وعن القارّة كلها، ووضعه على طاولة البحث أمام قادة الحلف، وهو الملفّ الصيني، وقد جاء في البيان ما يدل على أن الولايات المتحدة فرضت وجهة نظرها على رؤية الحلف تجاه الصين، فأوضح البيان أن الصين تشكّل تهديداً لمصالح الأعضاء وأمنهم وقيمهم، ولديها صندوق كبير من الأدوات المختلفة، منها الإعلامي، ومنها السيبراني، لتنفيذ سياسة التهديد، وأن الصين تعمل على توسيع نفوذها والتحكّم بقطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية وتقوية مجالها الاقتصادي لتقويض قدرة النظام الدولي في مجالات الفضاء والإلكترونيات وفي البحار أيضاً. ولم تنفع الجملة الاعتراضية للبيان عن الانفتاح على مشاركة بنّاءة مع الصين! لأن صيغة البيان عادت لتؤكّد أن الحلف يعمل بكامل أعضائه وحدةً متناغمة لمواجهة التحدّيات التي تفرضها الصين. ووجَّه البيان إصبعاً نحو التحالف الروسي الصيني، ودعا إلى الكفّ عن دعم روسيا والتوقف عن إعادة بث دعايات حربها.

تكثف الولايات المتحدة جهودها على جبهة أوكرانيا، وتحرص على تحشيد "الناتو" معها بعد أن أضيفت إليه فنلندا والسويد على قائمة الانتظار، ولكن عينها على الجهة الأخرى من الكرة الأرضية حيث الصين، وترغب في أن تشارك حلفاءها في الحلف، للوقوف خلفها، في مواجهةٍ من نوع خاص مع الصين التي تدّعي أن الرئيس بايدن قد قدّم لها أربع "لاءات" تحكم سياساته تجاهها، وهي أن الولايات المتحدة لا تسعى للحرب الباردة مجدّداً، ولا تريد تغيير النظام السياسي في الصين، ولا تتعرّض سياسة الولايات المتحدة لتشديد التحالفات لمواجهة الصين، واللا الأخيرة أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، ولكن ما خرج من نتائج في بيان "الناتو" يعكس توجّساً كبيراً من الصين، ويعطيها إنذاراً بأن هذا الحشد العسكري يُنظر إليها بعين الريبة.

تستخدم أميركا لهجة مختلفة تدير بها الأزمة مع الصين، وتجرّ معها حلف الناتو بأكمله، وهي متضرّرة من التوسّع الصيني وزيادة نفوذ الصين ونشاطاتها الخفية التي طاولت أراضي الولايات المتحدة نفسها، عندما أرسلت الصين بالونات تجسّس طفت بحرية وسهولة في المجال الجوي الأميركي، ما أثار حينها تساؤلاتٍ عن الطريقة التي سيجري التعامل بها مع الصين. وتبدو مخرجات قمة "الناتو" هذه إحدى الوسائل، ولكن الحلف الذي يوسّع جبهته لمحاصرة روسيا قد يجد صعوباتٍ في بناء مثل هذه الجبهة في منطقة بحر الصين، فدول الحلف، وخصوصاً فرنسا، لا تملك الرؤية ذاتها، بالإضافة إلى المعركة الأساسية التي يضطلع بها الحلف في أوروبا، وهي دعم أوكرانيا لتستطيع الصمود، وزيادة الدعم لتمكينها من الانتصار، وهو أمر يصعب تحقّقه في ظل تلقّي الروس الدعم، ووجود التهديد النووي بعد انتهاء مرحلة التهديد بقطع الطاقة.

يمكن أن يبدأ التمترس لكل طرفٍ في موقعه. وقد يشجّع موقف "الناتو" من الصين لتزيد من علاقاتها مع روسيا. وقد شهد الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) تبادلاً قياسياً منذ بداية الحرب في أوكرانيا. ومثل هذه الظروف قد تكون معها العودة إلى حرب باردة واردة، ما يجعل لاءات بايدن تصبح ثلاثاً بدلاً من أربع. ويمكن أن تُسقط سياسة تحشيد "الناتو" المعلنة في وجه الصين لاءً ثانية. وكان بايدن قد وصف الرئيس الصيني بالديكتاتور، وهي إشارة إلى اعتراضه على نظام الصين السياسي، وهنا تسقط لاءٌ ثالثة، ولا يبقى إلا الرابعة، أن الولايات المتحدة ما زالت لا تعترف بتايوان. وفي حالة سقوط هذه اللا ستنفجر جبهات تتجاوز بكثير ما تُحدثه الحرب في أوكرانيا من أثر مدمّر.

فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية