لونا الشبل في لعبة الكراسي
يغلب الشكل الذكوري على الديكتاتوريات العسكرية، إذ يتربّع ذكرٌ على قمّة عرش السلطة، ويساعده في تثبيت نفوذه مجموعةٌ من الذكور يتوزّعون مناصب عسكرية وأمنية صِرْفَة. ولكن، يحدث أن تطفو أحياناً بعض الإناث في السطح في مثل هذه الأنظمة، وبعضهن يَكنَّ مُؤثّرات، فقد رافقت إلينا، زوجة ديكتاتور رومانيا تشاوشيسكو، مراحل حياته كلّها، واقتيدت معه إلى ساحة الإعدام، وكان آخر منصب تسلّمته نائبة رئيس وزراء رومانيا، كما اشتهرت إيميلدا، زوجة ديكتاتور الفيليبين ماركوس، بوصفها سيّدةً أولى باذخة، وكانت عضواً دائماً في مجلس النواب، ومبعوثةَ الرئيس الخاصّة في العالم. في سورية، كان للنساء دور أيضاً، فقد استفاد حافظ الأسد من أمّه ناعسة، التي أثّرت في ثني شقيقه رفعت عن إتمام محاولة الانقلاب عليه، كما كانت أنيسة، زوجة حافظ، ذات تأثير أيضاً، فقدّمت أشقاءها من آل مخلوف إلى واجهة الاقتصاد. وحافَظَ ابنهما بشّار على التراث ذاته، فأبقى على نفوذ والدته إلى أن استطاعت زوجتُه أسماء فرض كلمتها الأخيرة، فيما كان لنساء أخريات نفوذ من نوع خاص، وتصلُح بثينة شعبان مثالاً لحضور سياسي وواجهة إعلامية ظلّت كذلك حتّى وصول لونا الشبل.
أشيع قبل عامين أنّ لونا الشبل، بالمشاركة مع زوجها الثاني عمّار ساعاتي، قد افتتحت مطعماً راقياً في دمشق، وله خصوصية مُميّزة، حيث قائمة الطعام لا تضمّ إلا المأكولات الروسية، وكانت الحياة في المناطق التي يسيطر عليها النظام مصبوغةً بلونين ظاهرين للعيان، الإيراني والروسي، ويبدو أنّ لونا قد اختارت الأخير. وعندما افتتحت المطعم كان اسمُها وارداً في اثنتين من قوائم العقوبات الدولية، أولاهما لوزارة الخزانة الأميركية، والثانية لوزارة الخارجية البريطانية، وتأكّدت شائعات امتلاك لونا المطعم بظهورها في يوم افتتاحه مُرحّبةً بالضيوف مع زوجها. لم يكن وجود اسمها في قوائم العقوبات عشوائياً، فقد كان لها منصب مستشارة خاصة لرئيس الجمهورية، وكذلك، لم يكن اختيارها الطعام الروسي عشوائياً، فروسيا ملاذٌ ملائمٌ للهرب من العقوبات، ويمكن إخفاء الثروة والنفوذ بكلّ سهولة خلف أكوام الكافيار الروسي، وقد نجح مشروع لونا التجاري، لأنّ مطعمها كان كاملَ العدد خلال معظم أمسيات السنة. أمّا مشروعها السياسي فيبدو أنّه بدأ يواجه صعوباتٍ نتيجة ألاعيب القصر، الأمر الذي فسّر به كثيرون تعرّضها الثلاثاء الماضي لحادث سير مُريب قرب دمشق أدّى إلى وفاتها.
تركت لونا العمل في قناة الجزيرة عام 2010، قبل بدء الثورة السورية، لأسباب شتّى، وظهرت بعد الثورة على قنوات الإعلام الرسمي لتنتقد "الجزيرة"، التي أمضت فيها سنوات، نالت بمقتضاها قيمةً مضافةً استخدمتها لاحقاً. ولم تتأخّر مكافأة النظام لها بتعيينها ضمن الحلقة الضيّقة القريبة من الرئيس، ولطالما ظهرت مبتسمة خلف وزير خارجية النظام في مؤتمرات دولية، وكانت حاضرة في اجتماعات جنيف، وتفرّغت كلّياً لشؤون الرئاسة، بعد أن صارت مستشارةً خاصّةً في عام 2020. لوحظت نشاطاتها الداعمة للنظام، فأضيفت إلى قوائم العقوبات. ومثل كلّ الأنظمة السياسية المشابهة له، تحتاج مفاصل النظام السوري العاملة إلى جولات صيانة دورية، وخصوصاً في المراكز التي لا تشكّل خطراً على بنية السلطة. ومركز لونا الشبل واحد من المراكز التي يمكن الاستغناء عنها، أو تبديلها بسهولة. ويبدو أنّ النظام اليوم يقوم بتلك الصيانة، فأعلن عن تغييرات عديدة في مفاصل سيطرته على الدولة والحزب والجيش، وكانت لونا، وما تمثّله، ضحيّةً لهذه التغييرات.
لونا، وهي مذيعة سابقة في "الجزيرة"، انتقدت هذه القناة بشكل لاذع، ما ساعدها في أن تنال رضا السلطة، وحفزّ انتماؤها إلى لون طائفي خاص النظامَ للذهاب معها بعيداً، فوضعها موضعاً قريباً جدّاً من رأس السلطة. وهذا كله، بغضّ النظر عن الكفاءات المهنية، التي لا تشكّل عائقاً في تسلّق المناصب الحكومية في سورية، حيث من الممكن أيضاً، أن يتعرّض أيّ مسؤول للموت في ظروف غامضة خلال لعبة الكراسي.