لماذا لن يخرُج الإسلاميون من السجون المصرية؟

17 مارس 2023

عبد المنعم أبو الفتوح في محكمة في طره جنوب شرق القاهرة (29/5/2022/فرانس برس)

+ الخط -

أيدت محكمة مصرية، قبل أيام، أحكاما مختلفة على محسوبين على التيار الإسلامي، تراوح بين الخمس سنوات سجنا والمؤبد. وهي ليست الأولى ضد المحسوبين على التيار الإسلامي، فهناك أحكام بالإعدام تنتظر التنفيذ فقط. ولا يستند كثير من هذه الأحكام إلى دليل ثابت، بل إلى تحرّيات الشرطة، من دون أدنى تمحيص من القضاء، وهو ما يعكس سيطرة النظام على القضاء، ويعكس أيضا العداء الشخصي للقضاة الذين يُحاكمون هؤلاء. على أن هذا التحيز أو العداء الشخصي ضد المحسوبين على التيار الإسلامي لا يشمل فقط القضاة، بل يشمل أيضا لجنة العفو التي شكلها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إفطار الأسرة المصرية العام الماضي، لفحص ملفّات المعتقلين، تمهيدا لرفع أسمائهم إلى رئيس الجمهورية للإفراج عنهم، فقد خرج عديدون من أعضاء اللجنة للتعبير عن رفضهم الإفراج عن أي شخصٍ تلوّثت يده بالدماء، ويقصدون في ذلك المحسوبين على التيار الإسلامي، وكانت هذه الجملة تستشرف المستقبل أنه لا تصالح للنظام المصري الحالي مع الإسلاميين، طوال عهده. أمّا في ما يخص الإفراج المُستمر عن بعض ناشطي التيار المدني ومنتسبيه، فإن هذا لا يعني بأي شكلٍ نيّة النظام أو توجهه نحو انفتاح سياسي حقيقي. ويتضّح ذلك جلّياً في شواهد عدّة، منها أن النظام يأبى أن يفرج دفعة واحدة عن مُنتسبي التيار المدني، ويعمل باستراتيجيّة "التنقيط"، بل ويستمر في إخفاء كثيرين منهم واعتقالهم وتجديد سجنهم وتدوير سجنهم، مثل هيثم محمدين وزياد العليمي وغيرهما من المئات القابعين في سجون النظام. ما يدلّ على أن النظام يتعامل مع الإسلاميين على أنهم خصومٌ سياسيون يرفض وجودهم من الأساس، ويسعى إلى استئصالهم، بينما يسمح بوجود المعارضة المدنية مع الاستمرار في قمعها.

وتعكس هذه الممارسات في جوهرها أكذوبة الحوار الوطني التي يروّجها النظام من حين إلى آخر، والتي استبعدت في الأساس تيار الإخوان المسلمين، وهو ما عبّر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو/ تموز من العام الماضي (2022)، في اجتماعه مع مثقفين وصحافيين، عندما قال إن "الحوار للجميع باستثناء فصيل واحد"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين. والسؤال هنا: لماذا هذا الموقف تجاه المنتمين للتيار الإسلامي؟ حينما جاء الرئيس المصري الحالي إلى السلطة بعد الانقلاب الذي قاده في الثالث من يوليو/ تموز 2013، أسّس شرعيته على أمرين: تحسين الوضع الاقتصادي، والقضاء على الإرهاب. على أنه حتى اللحظة لم ينجح في أيٍّ من الملفين، فقد تردّى الوضع الاقتصادي، وأصبحت مصر مثقلة بالديون، وتنتهج سياسة بيع أصولها لسداد ديونها. كما أن مفهوم القضاء على الإرهاب توسّع ليشمل المعارضة المدنية وجماعات الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين وتيارات السلفية الأخرى، باستثناء حزب النور الذي يعدّ من التيارات الدينية المتعاونة مع الأجهزة الأمنية والتي تدعم الرئيس.

مفهوم القضاء على الإرهاب توسّع ليشمل المعارضة المدنية وجماعات الإسلام السياسي

ويمكن إرجاع موقف النظام المصري من استمرار اعتقال أعضاء التيار الإسلامي، وعدد من رموزه، إلى عدة أسباب، أولها وجود شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي تتمتع بكاريزما خاصة، وتأثير كبير في أوساط الشباب، ولها وجودها وتأثيرها القوي في الفضاء الاجتماعي والسياسي والدعوي، ومنها الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وعبد المنعم أبو الفتوح، الذي يتمتع بقبول واسع لدى فئات وقطاعات مختلفة من الشعب المصري، وكان منافسا قويا في انتخابات 2012 الرئاسية، إلى جانب انتقاده الدائم والواضح للرئيس السيسي، خصوصا بعد حديثه الإعلامي على قناة الجزيرة مُباشر، خلال وجوده في لندن قبل أن يعود إلى مصر ويتم اعتقاله، فقد انتقد السيسي بلهجة لاذعة، ما وضعه ضمن الشخصيات المُستبعدة من الخروج من السجن، ولذلك حُكم عليه بـالسجن 15 عاماً.

السبب الثاني عداء الأجهزة الأمنية لكل من تورّط في العمل السياسي، فهؤلاء تجري متابعتهم والتفتيش الدوري عليهم واستدعاؤهم إلى مقرّات جهاز أمن الدولة ووضعهم تحت المراقبة، فالأجهزة الأمنية لا تنسى أبدا أي شخصٍ له نشاط سياسي معارض للنظام.

يتجسّد السبب الثالث في تراجع الضغط الدولي، خصوصا بعد المصالحة مع قطر، والسعي في إتمامها مع الجانب التركي، وكان إغلاق قنوات تلفزيونية محسوبة على الإخوان المسلمين في تُركيا إحدى مقدمات المصالحة التي يسعى النظام المصري إلى عقدها مع الجانب التركي، ما يؤكّد على استمرار النظام في خصومته مع الإسلاميين، واستبعاد خروج حتى ولو جزء بسيط منهم من السجون. يرجع هذا، في جانب منه، إلى فشل الجماعة في حشد مناصرة قوى دولية وإقليمية لها للتوسّط مع النظام.

النظام، ببنيته الحالية، يرفض وجود العمل السياسي من أساسه، فهو لا يؤمن به

ويمكن اعتبار البعد الشخصي في تلك الخصومة السبب الرابع، وتتجلّى تلك الخصومة الشخصية بين السيسي ورموزٍ في التيارات الإسلامية، بسبب معارضتهم الانقلاب وهجومهم الدائم عليه بصفة شخصية، ومن هؤلاء المحامي عصام سُلطان، نائب رئيس حزب الوسط، والذي هاجم السيسي، وقال عنه: "الآن عندنا قائد للانقلاب العسكري، وقائد للثورة المضادّة، اسمه عبد الفتاح السيسي".

أما السبب الآخر الذي يمكن أخذه في الاعتبار، فهو تفكّك الجماعة وعدم قدرتها على تقديم أي مُكتسب يُمْكنها أن تُقدمه للنظام ويُمَّكنها من التفاوض معه مُقابل تخفيف القمع عنها للنظام. فتحت الضربات الأمنية الموجعة والملاحقات الأمنية تفكّك التنظيم، وأصبح ضعيفا أو لا يكاد يكون موجودا، وحدثت انشقاقات متتالية داخل صفوفها، وأصبحت ضعيفة، لا ثقل لها في المعادلة السياسية. ولكن هنا لا بد من الإشارة إلى أن النظام، ببنيته الحالية، يرفض وجود العمل السياسي من أساسه، فهو لا يؤمن به. وهذا في حد ذاته كفيلٌ بأن يبقي القمع هو المشروع الوحيد الذي يمتلكه النظام. كما يؤكّد على أن المسار الذي ينتهجه النظام لن يفضي إلا إلى مزيد من الاحتقان وتعميق الانقسام السياسي، الذي لن تُحمد عواقبه على الدولة والمجتمع في آن واحد. كما أنه يؤكّد على رفض فكرة الحوار الوطني من أساسها لدى النظام، وما يقوم به من عقد جلسات للحوار، ما هو إلا نوع من استهلاك الوقت لإطالة أمد النظام واستمراره.

BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.