لاءات عربية ثلاث يحبّها بلينكن
تتلخّص مهمّة وزير الخارجية الأميركية، الصهيوني الصريح، أنتوني بلينكن، في جولته الشرق أوسطية الحالية في نقطتين أساسيتين: الأولى منع توسيع نطاق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، بانتقالها بشكل كامل إلى الجبهة اللبنانية. والثانية بحسب مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية (لرويترز) إن بلينكن سيستخدم جولته للضغط على الدول الإسلامية المتردّدة، للاستعداد للعب دور في إعادة إعمار غزّة وإدارتها وأمنها بعد انتهاء الحرب و"القضاء على حماس".
هذه بضاعة بلينكن التي حملها إلى تركيا، ثم جال بها في عواصم عربية عدّة. وهذا يعني، بوضوح، أن ما يشغل واشنطن عدم إرباك الآلة العسكرية الصهيونية واستنزافها على أكثر من جبهة، بحيث تركّز فقط على إكمال عملية تدمير غزّة، ثم استدعاء الدول العربية لتحمّل كلفة إعادة بنائها واستعمارها، ارتباطًا بالمهمّة الأكبر، وهي القضاء على"حماس"، والإجهاز على مشروع المقاومة الفلسطينية، بحيث لا تفكّر مرّة أخرى في مضايقة الاحتلال الصهيوني.
لا حدود لوقاحة تصريحات بلينكن، لكن أكثر تجليّاتها انحطاطًا قوله إنه تم قتل عدد أكبر من اللازم من الشعب الفلسطيني في غزّة، وهذا يعني، صراحَة، إنه لا مشكلة في قتل الفلسطينيين، إنما الخلاف هو حول حجم الكتلة البشرية التي تريد واشنطن من الاحتلال الصهيوني قتلها، بمعنى أقرب: تريد تل أبيب إبادة جماعية بالحدّ الأقصى، فيما تطلب واشنطن أن تبقى هذه الإبادة في حدودٍ معقولة.
في مقابل هذه البلادة فيما يتعلق بالدم الفلسطيني المراق كلّ ساعة، يتكلّم بلينكن، بعذوبةٍ مفرطة في سماجتها وبلادتها، من كل عاصمة عربية يقف على أرضها، عن قضيّة الأسرى من الصهاينة والمقاتلين الأجانب في غزّة، باعتبارها أمّ القضايا التي على النظام العربي أن يناضل معه من أجلها.
وفي الأثناء، تتواصل المجازر النوعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، باستهداف فئات وشرائح بعينها، وبعد قتل نحو ثلاثة وعشرين ألف مواطن فلسطيني، تأتي عمليّات استهداف الصحافيين والإعلاميين، بحيث لا تبقى عيونٌ هناك ترى وتنقل إلى العالم تفاصيل الجريمة الأميركية الإسرائيلية، كما جرى أمس في عملية تصفية الصحافيين حمزة وائل الدحدوح ومصطفى سعيد ثريا، وكما حصل ويحصل مع الأطبّاء والعاملين في مجال علاج جرحى القصف ومصابيه، من دون أن يدفع كل ذلك الإجرام حكومة عربية إلى اتخاذ موقفٍ جادٍّ وحقيقي من العربدة الصهيونية، برعاية أميركية كاملة، وإعلان رفض التداول في أي شيءٍ مع الوزير الأميركي، قبل وقف إطلاق النار.
على أنه لا يصحّ، بأي حال، استبعاد هدف آخر أخطر وأكبر لجولة بلينكن، التي تستبق بدء محكمة العدل الدولية محاكمة الكيان الصهيوني، بتهمة تنفيذ عمليات إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، بناءً على الدعوى المرفوعة من جنوب أفريقيا، وهي الدعوى التي تعاطت معها العواصم العربية بلاءاتٍ ثلاث: لا أرى... لا أسمع... لا أتكلّم، والتي هي في مجملها تقود إلى: لا يعنيني الأمر، ولا أنحاز لجنوب أفريقيا، ولا لإسرائيل، هكذا لسان حال الموقف العربي، الذي تريده الإدارة الأميركية، والذي جاء بلينكن للاطمئنان عليه، على طريقة الراعي الذي يريد أن يطمئن على أن كل شيءٍ في مكانه، وفي نطاق الدور المطلوب منه داخل المزرعة.