قيادة العالم بمليونَي دولار و30 طناً

23 مارس 2022
+ الخط -

غالباً ما يمكن فهم المشهد العام من خبر خاص جداً، كأن يُقرأ كلام المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين يوم الاثنين 21 مارس/ آذار، عن أن بلده سيقدم مساعدات إنسانية بقيمة 10 ملايين يوان (1.57 مليون دولار) لأوكرانيا تُضاف إلى خمسة ملايين يوان (حوالي 750 ألف دولار) تم تقديمها بالفعل في الـ12 من شهر مارس/ آذار الحالي. الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بناتج داخلي إجمالي تبلغ قيمته 18 ألف مليار دولار (18 تريليوناً)، تقدم لـ46 مليون أوكراني منكوبين بحرب طاحنة يشنها أصدقاء بكين منذ شهر تقريباً، ما قيمته أكثر بقليل من مليونَي دولار من المساعدات، أي أقل من سعر شقة سكنية فاخرة في وسط بكين أو شنغهاي أو موسكو. والقيمة التقديرية للمساعدات، في حال تحقق وعد الـ1.57 مليون دولار، قد تبلغ نسبتها نصفاً أو ربعاً في المائة من قيمة ما ستقدمه الصين إلى روسيا من مساعدات على هيئة علب طعام جاهز للجنود الروس ومرتزقتهم في أوكرانيا، وصواريخ أرض - جو، وطائرات بدون طيار، ومعدات استخبارية، ومركبات مدرعة، وعربات دعم لوجيستي، في حال صدق ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز، وقناة سي إن إن. هذا شيء من الكرم الصيني. أما اليد الروسية المفتوحة تجاه الشعب الأوكراني، فإنها تجاوزت قتله، إذ قدمت موسكو مساعدات إنسانية أيضاً وزنها 30 طناً للمناطق التي أصبحت خاضعة تماماً لسيطرتها، وهي محصورة فعلياً في حوض دونباس. 30 طناً من المواد الغذائية التي قدمها حاتم طي الروسي تطعم بلدة لبضعة أيام، ذلك أن العقل الروسي، لشراء ذمم الناس، هو إلى هذه الدرجة بخيل حتى ولو وقع تحت يده ما يقارب 17% من إنتاج النفط والغاز في العالم. تريد الصين تقاسم قيادة العالم في النظام العالمي مقابل 700 ألف دولار أو مليوني دولار حدّا أقصى، وروسيا تريد مزاحمة أميركا على النفوذ في مقابل 30 طناً من المواد الغذائية لجماعتها في بلد تحتله، وهي غير قادرة على تأمين الطعام لجنودها على الجبهات. أما أميركا اللعينة التي تقود النظام العالمي المطلوب تغييره، فإنها تعهدت في موازنتها الجديدة بـ13.6 مليار دولار مساعدات لأوكرانيا، منها 2.6 مليار للمساعدات الإنسانية وأكثر من مليار لدعم اللاجئين الأوكرانيين. أما مليارات أوروبا الغربية ـــ التي يحلم حكام الصين وروسيا بإزالتها عن الخريطة (مثلما فعل وليد المعلم ذات يوم) ــ المخصصة لمساعدة الأوكرانيين، فليست أقل بكثير من مليارات أميركا.

نحن أمام تناقض إضافي بين النظام العالمي الموجود حالياً، وذلك المطلوب أن نتحول إليه بقيادة روسية ـ صينية: الأول، ذلك الذي نعرفه منذ 32 عاماً، هو إمبريالي، رأسماليته متوحشة، يشن حروباً وليس عادلاً ولا إنسانياً، لكن بلدانه حرّة، ديمقراطية، ليبرالية، فيها صحافة مستقلة وحريات عامة وخاصة ودولة قانون ومواطنة ومساواة. أما العالم الذي يحلم به المصفقون لابتسامات فلاديمير بوتين وشي جين بينغ وعلي خامنئي، وفي خلفية المشهد وحوش كثر موزّعون في قارّات العالم، فإن بلدانه بدورها إمبريالية، رأسماليتها متوحشة، ولا تكتفي بشن حروب، بل إنها لا تعيش إلا على الحروب، وهي قبل كل شيء قائمة على القمع والاضطهاد واستعباد المواطنين وسكان البلدان الأخرى، ديكتاتوريتها لا تليق بأي كائن حي، قمعية لا تطيق حتى سماع كلمة ديمقراطية وصحافة مستقلة وحرية تفكير ونطق وتجمع وتصرف وتغيير. بلدانها مزرعة للحاكم، وسكانها عبيد عنده.

أسياد النظام العالمي الحالي المطلوب تغييره، حين يشنون حرباً، فإنها تظلّ وصمة عار تلاحقهم إلى ما بعد مماتهم. لا يزال طوني بلير إلى اليوم يتفادى السير في شوارع لندن لكي يهرب من رشق الطماطم والبيض. أما حكام عالم الغد، فإنهم يريدون أن يقتلوا شعوباً، ثم يوزّعون عليهم رشوة وزنها 30 طناً من المواد الغذائية. حكام عالم الغد، سيرتهم الذاتية تبدأ بعملاء استخبارات، وتنتهي بقتلَة شعوب.