فهمٌ روسي للتغيّر المناخي

15 ديسمبر 2021
+ الخط -

ليست مناسبة الحديث استمرار روسيا في احتلال المرتبة الرابعة عالمياً بين كبار ملوّثي الكوكب (تسبقها الهند ثالثة وأميركا ثانية والصين أولى عالمياً في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون). ولا المناسبة أن روسيا مكان خصب لنظريات المؤامرة المتصلة بالتغير المناخي والتي تضع كل إنذار بفناء قريب للبشرية بسبب الاحترار، في خانة التآمر العالمي ضد الاقتصاد الروسي القائم على النفط وعلى صناعات شديدة التلويث. المناسبة هي استخدام روسيا يوم الاثنين الماضي، في مجلس الأمن الدولي، الفيتو ضد مشروع قرار أعدّته النيجر وأيرلندا يعتبر تغير المناخ تهديداً للأمن الدولي، دعمته 113 دولة في الهيئة العامة للأمم المتحدة. يقول الخبر من نيويورك إن النصّ الذي أيّده 12 من بين الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن (لم تؤيده روسيا والصين كالعادة، إضافة إلى الهند)، يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة "دمج المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ كعنصر مركزي في استراتيجيات الأمم المتحدة الشاملة لمنع نشوب النزاعات". والنص بليد وبيروقراطي إلى درجة أنه يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعداد تقرير في غضون عامين (عامان من أجل إعداد تقرير!) "حول التداعيات على الأمن (...) للآثار المضرّة الناجمة عن التغيّر المناخي"، وتوصيات بشأن الطريقة التي يمكن أن تتمّ معالجة هذه المخاطر من خلالها. لكن البلادة والبيروقراطية ليستا سبب رفض روسيا، ذلك أن كل ما يتعلق بالموضوع لم تقبل به البعثة في نيويورك. الخبر نفسه نقل عن دبلوماسيين عجزهم عن فهم معارضة روسيا للنص مع أنه "ليس ثورياً" وفق تعبير أحدهم. لكن للمندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا عدّة الشغل "النظرية" التي تجدها مكررة في كلّ مرة تعاكس فيها موسكو مزاجاً عاماً دولياً ضد كارثة تحصل أو أخرى تكون مرتقبة. قال الرجل إن مشروع القرار يجسد "محاولة فرض سيناريو ووجهة نظر الدول الغربية على المجلس". شيء شبيه بأسطورة الديمقراطية الغربية وتلك "الشعبية" التي اخترعها المعسكر الشرقي أيام الحرب الباردة.

من هذه التصريحات والملاحظات الخبرية العابرة، أمكن إزالة بعض الغموض عن أسباب الرفض الروسي. النص المقترح كان سيفتح المجال لجعل التغير المناخي عنواناً للعمل الجماعي خارج أسوار "السيادة الوطنية" القاتلة في معظم الأحيان، والمحبوبة جداً عند المسؤولين الروس اليوم والسوفييت في الأمس فقط عندما تكون السيادة لمصلحتهم طبعاً. مشروع القرار كان يمكن أن يفرض أولوية جديدة على طاولة حكام العالم على اعتبار أنّ التغير المناخي بدأ يتسبب بحروب على مصادر الثروات المتناقصة بشكل مذهل. كان يمكن للمشروع لو أبصر النور أن يفعل شيئاً، مثلما كان ممكناً أن يُرمى في سلة المهملات، لكن هذا ليس هو الموضوع. الموضوع هو كيف أنّ روسيا الرسمية، مستعدة لتخريب (والتصويب من أدوات هذا التخريب) مجالات عمل لم تعد تقتصر على المنافسة الدولية والنفوذ والمصالح، بل تتعلق بمصير البشرية نفسها.

اعتاد العالم على المهنة الروسية بالدفاع عن كل مقتلة وعن أيّ نظام قمعي. من سورية إلى ميانمار وإيران والصين وفنزويلا وكوريا الشمالية. من التسلط على جيرانها القريبين وصولاً إلى تدشينها حرب الفضاء. من قتل السوريين حتى إطلاق حرب باردة على القطب الشمالي. تنتقم من العالم بأسره من دون أن ندري على ماذا الانتقام، وذلك منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي الذي لا يزال فلاديمير بوتين يسميه "أكبر مأساة جيوسياسية".

قبل أيام، نشر الحساب الرسمي لدولة أوكرانيا على موقع تويتر، رسماً يُظهر شكل رأس الإنسان بلون أحمر في مكان الصداع الذي يصيبه. يظهر احمرار في الجهة الأمامية للرأس في حالة الصداع النصفي (migraine)، ويظهر الاحمرار في الجهة الخلفية بسبب ارتفاع ضغط الدم، ويظهر اللون الأحمر بشكل دائري عند الإصابة بالضغط العصبي، ثم يظهر الرأس كله أحمر بسبب "صداع العيش إلى جانب روسيا". وكأنّ شيئاً من أحمر الصداع الروسي يتمدد حول العالم.