"عليّ وعلى أعدائي" عقيدة نظام عالمي جديد

03 سبتمبر 2022
+ الخط -

تتحوّل مقولة "عليّ وعلى أعدائي" من دون تتمتها (يا رب) من مجرّد صرخة عدمية إلى عقيدة سياسية في العلاقات الدولية زمن التبشير بنظام عالمي جديد تريد روسيا والصين تسيّده، أو على الأقل مزاحمة الولايات المتحدة على قيادته. والعقيدة تلك تشبه الصرخة التي وُلدت من رحمها ونُسبت إلى شمشون الجبار: تقدم أسهل الأجوبة لأصعب الأسئلة. كوكب الأرض يفقد بسرعة هائلة قدراته المناخية على الاستمرار وتصحيح جرائم البشر بحق الطبيعة، فما هو جواب عقيدة "عليّ وعلى أعدائي" على تلك المعضلة؟ الردّ يمكن أن يكون صينياً، كأن تشترط وزارة الخارجية في ذلك البلد على الولايات المتحدة أن تبدد "الأثر السلبي" الذي خلفته زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان (مطلع الشهر الماضي) "حتى نستأنف محادثات المناخ" الثنائية مع أميركا.

والصين هي الملوّث الأكبر في العالم، تليها الولايات المتحدة. أجوبة أميركا على المعضلة ارتبطت تاريخياً بالهوية الحزبية لساكن البيت الأبيض. بين جمهوري مثل دونالد ترامب، لا يرى في أي خطة مناخية إلا استهدافاً للصناعة الأميركية، أي لـ"أميركا أولاً"، وديمقراطي كجو بايدن أقرّ أكبر مشروع للاستثمار في المناخ والصحّة بقيمة تزيد عن 430 مليار دولار، لا داعي لشرح كثير. أما معرفة أجوبة الصين بالأرقام والموازنات على كارثة المناخ، فإنما ذلك مستحيل، لأنه ككل شيء آخر في هذا البلد، سرّ قومي لا تدركه إلا نخبة النخبة.

أخْذ العالم رهينة، أي التهديد بـ"عليّ وعلى أعدائي" على الطريقة الصينية، ثبّته العقل الحاكم في بكين منذ الخامس من أغسطس/آب الماضي، عندما علّق التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة في عدد من المجالات، في مقدمتها محادثات المناخ التحضيرية لقمة شرم الشيخ (نوفمبر/تشرين الثاني المقبل). وما العلاقة بين أزمة تايوان وكارثة المناخ العالمية؟ الصين في ربطها ذاك، إنما تختصر الكرة الأرضية بنفسها وبأميركا حصراً، وتقول للعالم إنها مستعدة للتضحية باستمرار وجود الكرة الأرضية على مذبح سيادتها على الجزيرة. المعادلة الانتحارية بسيطة: أميركا تسمح بتحريض تايوان على تعزيز حكمها الذاتي، فلننتقم من العالم ومن أنفسنا. لا يهمّ أن الصين نفسها هي أكثر بلد ملوَّث في العالم وليس فقط تسبباً بتلويث الكرة الأرضية، ولا يهم أن تلوث الهواء في هذا البلد يتسبب بأكثر من مليون وفاة مبكرة سنوياً، المهم أن نكسر الأحادية الأميركية.

لكن الصين متأخرة في مجال تطوير "عليّ وعلى أعدائي" من منبتها الشمشوني إلى مصاف الأيديولوجيات الانتحارية. قد تكون روسيا أوحت لها بالفكرة منذ أصبح التهديد باستخدام السلاح النووي ضدّ الغرب رياضة صباحية يومية لا يمكن للمسؤولين الروس إكمال نهارهم من دون ممارستها. العالم بحاجة ماسة لنزع السلاح النووي في العالم، فكيف يأتي الجواب الروسي؟ نهدّد هذا العالم بالإبادة النووية الجماعية كي لا تتبدد أحلام فلاديمير بوتين المرضية بإحياء اتحاد سوفييتي من دون شيوعية. ومَن لم يمت بالسيف مات بغيره، فإن لم يكن التهديد باستخدام الصواريخ النووية كافياً لإرغام الغرب على الخضوع لأمراض بوتين الإمبراطورية التوسعية من بوابة أوكرانيا، هذه محطة زابوريجيا النووية، أكبر محطة إنتاج طاقة نووية مدنية في أوروبا، يمكن أن تفي بالغرض. تحتلها روسيا لتمسك بأمن الطاقة الأوكرانية، ولا تتردد في توسيع عملياتها الحربية في محيطها، وتعتبر أن أي مسعى أوكراني لاسترداد السيطرة عليها يبرر للقوات الغازية كسر الخطوط الحمراء للأمن النووي. أما أنّ تسرب الإشعاعات النووية سيطاول روسيا بشكل رئيسي، فإنما هذا تفصيل في الأيديولوجيات الانتحارية حين تكون خليطاً من عقيدة قومية ــ دينية ــ عنصرية ترى أن الماضي أفضل من الحاضر، فإما نحيي الماضي أو لا داعي لنعيش في المستقبل بما أنه سيكون أسوأ من الحاضر.