28 أكتوبر 2024
عقل كوشنر وسياسة ترامب
بدا جاريد كوشنر مُتحفظاً وخجولاً، وهو يعلن بعض تفاصيل "صفقة القرن"، أو كما أسماها هو "الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط"، فهو غير معتاد على مواجهة الإعلام، ونادراً ما يشارك في لقاءات عامة. كان اللقاء الذي تم مع كوشنر، الخميس الماضي، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بصفته كبير مستشاري الرئيس الأميركي، كاشفاً لكيفية صياغة الحل الجديد المقترح ومنطقها، وكذلك لجوانب مهمة من عملية صنع القرار داخل إدارة ترامب. كان واضحاً، من اللحظة الأولى، أن كوشنر يريد إيصال ما سيقوله إلى العرب بصفة خاصة، وليس إلى الأميركيين أو غيرهم، فقد تم ترتيب توقيت اللقاء، ليكون مساء الخميس، ليلة العطلة الأسبوعية في المنطقة العربية، وتم بثه مباشرة ومترجماً بالعربية عبر قناة الحرة، التابعة لوزارة الخارجية الأميركية. ولم تتضمن موضوعات الحوار سوى ملف القضية الفلسطينية والرؤية الأميركية الجديدة لحلها، والتي أكد كوشنر أن واشنطن ستطرحها بعد شهر رمضان. وذكر أن الأمر استغرق عامين من التحضير والمشاورات، ومراجعة الصيغ السابقة، قبل الوصول إلى تلك الأفكار والصيغ الجديدة.
من هذه النقطة، يبدأ فهم أبعاد ذلك اللقاء الذي أجري خصيصاً، وهدف إلى قطع شوط أبعد في عملية التهيئة التدريجية التي تقوم بها واشنطن من شهور، تمهيداً لإعلان "صفقة القرن"، والتي تناول كاتب هذه السطور جانباً منها الأسبوع الماضي. أما وقد اقترب موعد الإعلان الرسمي، فربما أرادت إدارة ترامب توضيح ملامح كبرى للصفقة، أو الخطة حسب تسمية كوشنر. ليس فقط بهدف التمهيد وامتصاص ردود الفعل السلبية المتوقعة، ولكن أيضاً لقياس مؤشرات الرفض والقبول وحدود المرونة والتصلب في الحالتين، استعداداً للتعاطي مع تلك المواقف، بعد الإعلان الرسمي.
لذا لم يكن كوشنر حريصاً على توضيح جوانب الحل ومكوناته وإقناع المستمعين به، بقدر ما اهتم بتأكيد فشل الحلول السابقة. وكان ذكياً في الربط بين إخفاق كل محاولات التسوية السابقة، وما وصفها بضرورة "التفكير خارج الصندوق" عند التصدّي لأي محاولة جديدة للحل. أي أنه حكم على كل مراحل التسوية السابقة وأسسها بالعقم والانغلاق والتقليدية، واعتبر ضمناً أن هذا مدعاة لضرورة أن يكون الحل غير تقليدي، عبر أفكار من خارج الصندوق.
وكان أكثر ذكاءً حين تجنّب افتراض حتمية نجاح الحل المنتظر، وأوضح أنه لا يرى في ذلك حرجاً، إذ أنه ليست لدى رئيسه، دونالد ترامب، مشكلة في النجاح أحياناً والإخفاق أحياناً أخرى. وهو المنطق التجاري الذي يتعامل به ترامب بالفعل، فهو ليس كالسياسيين الذين يريدون الفوز دائماً والسير في اتجاه واحد يرونه الصحيح والكاسب. بل لديه استعداد لخوض التجارب والمغامرة، وتحمّل النتائج، بالنجاح تارة والفشل تارة أخرى.
يتضح هذا المنطق جلياً، فيما قاله كوشنر في بداية حواره، حيث حدّد أربع قضايا، تمثل أولويات إدارة ترامب في المنطقة، وهي: إيران، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما وصفه بالإسلام الراديكالي، والقضية الفلسطينية. واعتبر أن واشنطن حققت نجاحاتٍ مهمة في مواجهة التحديات الثلاثة الأولى، وحان وقت التصدي إلى التحدي الرابع، من دون مصادرة مسبقة للنتائج، أو تمسك مسبق بضمان النجاح، قبل الشروع فعلياً في المحاولة.
هذه هي سياسة وعقلية كوشنر/ ترامب، حيث لا ثوابت ولا مبادئ، ولا افتراضات مسبقة. كل شيء متاح ومقبول، ما دام ممكناً، فإذا نجح فهو إنجاز عظيم، وإذا لم ينجح فلا مشكلة. هذا هو المنطق الذي يحرّك سياسة واشنطن، إنه منطق كوشنر وترامب. أما طبيعة الحل وملامحه التي أعلنها كوشنر، فتحتاج قراءة أخرى.
لذا لم يكن كوشنر حريصاً على توضيح جوانب الحل ومكوناته وإقناع المستمعين به، بقدر ما اهتم بتأكيد فشل الحلول السابقة. وكان ذكياً في الربط بين إخفاق كل محاولات التسوية السابقة، وما وصفها بضرورة "التفكير خارج الصندوق" عند التصدّي لأي محاولة جديدة للحل. أي أنه حكم على كل مراحل التسوية السابقة وأسسها بالعقم والانغلاق والتقليدية، واعتبر ضمناً أن هذا مدعاة لضرورة أن يكون الحل غير تقليدي، عبر أفكار من خارج الصندوق.
وكان أكثر ذكاءً حين تجنّب افتراض حتمية نجاح الحل المنتظر، وأوضح أنه لا يرى في ذلك حرجاً، إذ أنه ليست لدى رئيسه، دونالد ترامب، مشكلة في النجاح أحياناً والإخفاق أحياناً أخرى. وهو المنطق التجاري الذي يتعامل به ترامب بالفعل، فهو ليس كالسياسيين الذين يريدون الفوز دائماً والسير في اتجاه واحد يرونه الصحيح والكاسب. بل لديه استعداد لخوض التجارب والمغامرة، وتحمّل النتائج، بالنجاح تارة والفشل تارة أخرى.
يتضح هذا المنطق جلياً، فيما قاله كوشنر في بداية حواره، حيث حدّد أربع قضايا، تمثل أولويات إدارة ترامب في المنطقة، وهي: إيران، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما وصفه بالإسلام الراديكالي، والقضية الفلسطينية. واعتبر أن واشنطن حققت نجاحاتٍ مهمة في مواجهة التحديات الثلاثة الأولى، وحان وقت التصدي إلى التحدي الرابع، من دون مصادرة مسبقة للنتائج، أو تمسك مسبق بضمان النجاح، قبل الشروع فعلياً في المحاولة.
هذه هي سياسة وعقلية كوشنر/ ترامب، حيث لا ثوابت ولا مبادئ، ولا افتراضات مسبقة. كل شيء متاح ومقبول، ما دام ممكناً، فإذا نجح فهو إنجاز عظيم، وإذا لم ينجح فلا مشكلة. هذا هو المنطق الذي يحرّك سياسة واشنطن، إنه منطق كوشنر وترامب. أما طبيعة الحل وملامحه التي أعلنها كوشنر، فتحتاج قراءة أخرى.