عباءة داعش في منبج

19 اغسطس 2016

نساء من منبج... وفرحة الخلاص من داعش (فيسبوك)

+ الخط -
صور النساء في منبج، بعد تحرير المدينة من داعش، معبّرةٌ إلى حدّ كبير، ويبدو الاحتفال بمثابة ولادة جديدة للناس الذين عاشوا قرابة عامين في ظل كابوس سلطة قرووسطية. وبعيداً عن بعض القراءات التي اعتبرت الصور مبيّتة ومدروسة، فإن السوريين الذين ثاروا عام 2011 ضد بشار الأسد لم يتنازلوا عن حلم الحرية، ولذا لم يعفوا أنفسهم من الإصابة بمسٍّ من العفوية، سرى على نطاق واسع، كردّ فعلٍ على خلاص المدينة من هيمنة الفك المفترس. 
فرح الانتصار. هو كذلك أو أبعد. الانتصار على الوحش الذي افترس الثورة، حينما كانت قد أخذت تتقدّم، وتنتشر على مساحات واسعة من الأرض السورية. الأرض التي لايزال داعش يسيطر على مساحات شاسعة منها، هي التي حرّرها الجيش الحر من النظام، وكانت مهيأة لتشكل قاعدة للثورة، ومن ذلك مدينة منبج نفسها، والرقة المدينة الأولى التي حرّرها الجيش الحر، وكان إسقاط تمثال حافظ الأسد فيها إشارة لخروج منطقة شرق سورية كاملةً من تحت سيطرة النظام، ولكن الفرحة لم تدم طويلاً، لأن داعش وضع يده عليها، وحولها إلى عاصمة له، ومنها تمدّد نحو دير الزور والحسكة، وبعد ذلك ريف حلب وتدمر وحتى ريف دمشق والقلمون، ليقطع الطريق أمام مشروع الثورة.
لا يتورّع بعضهم حتى اليوم عن نسب داعش إلى المظلومية السنّية، وهذا حرفٌ للمظلومية نحو وجهةٍ خاطئة جداً، فالمظلومية السنّية زادت مع داعش أضعاف ما كانت عليه، قبل أن يولد هذا الغول من رحم الاحتلال الأميركي للعراق، ويتمدّد على نحوٍ مشوه في منطقةٍ، كانت تعيش حراكاً سياسياً بعيداً عن التوحش الذي طبع سلوك هؤلاء المجرمين.
ثمّة من رأى في صور النساء، وهن يحرقن البراقع السوداء، ويدخّنّ السجائر، نوعاً من العمل المسرحي المدروس الذي يريد استثمار معاناة الناس الذين حكمهم داعش بالحديد والنار، إلا أن الصور تعكس لحظةً تحاكي مرح الطيور التي وجدت باب القفص مفتوحاً، وهذا ما ينتظره الناس في كل مكانٍ استطاع داعش أن يفرض فيه قوانينه، في الرقة والموصل ودير الزور وريف دمشق. وتجدر الإشارة إلى أن بعض النسوة استخدمهن داعش دروعاً بشرية.
ما يفسّر فرح الناس بالخلاص من داعش أنه قدم نموذجاً من الإجرام لم يسبق له مثيل في التاريخ، حتى لدى أعتى الدكتاتوريات، وأصابت جرائمه المجتمع بطوائفه وفئاته كافة. حرق البشر أحياء، إعدام الأطفال، رجم النساء، هدم الكنائس، قتل الأبرياء المسافرين في المطارات، بل أكثر من ذلك فإن أفعاله الإجرامية خلطت الأوراق السياسية، وقدمت غطاءً للقوى التي كانت بحاجة إلى ذريعةٍ لتبرّر تخاذلها عن اتخاذ موقف مثل الولايات المتحدة وأوروبا، كما وفرت مدخلاً للتدخل العسكري لإدامة النظام، كما هو الحال مع روسيا التي انخرطت عسكرياً في الشأن السوري منذ حوالى عام، بذريعة محاربة داعش، ولكنها ركّزت على الجيش الحر والمدنيين.
على الجانب الآخر، هناك صور لا تصل إلى الإعلام، ولكنّ أصداءها منتشرة بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تتعلق بحملات المطاردة التي يتعرّض لها السوريون بين عمر 18و40 في دمشق، من أجل سوقهم إلى جبهات القتال ضد المعارضة. وتفيد الأنباء القادمة من العاصمة السورية بأن الأيام الأخيرة شهدت تكثيفاً لأعمال الدوريات، من أجل إيقاف أكبر عدد من المواطنين، لدفعهم إلى القتال، بغض النظر عمّا إذا كانوا يؤيدون حرب النظام، أو أنهم قادرون على القتال أم لا. الأمر الهام بالنسبة للنظام هو توفير وقود للمعركة، وهو ما دفع الأهالي إلى تهريب أولادهم إلى الخارج، كي يجنبوهم الموت المجاني.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر