شركاء في المسار وكارثة الدولار
"اوعوا حد يزعل من اللي هقوله، كل المقترحات اللي اتقالت دي، أنا آسف، أي طالب في كلية السياسة والاقتصاد يتكلّم فيها". كان ذلك تعقيب عبد الفتاح السيسي على ما طرحه اقتصاديون وسياسيون في مؤتمر للاقتصاد انعقد وانفضّ في مصر، وسط بهرجة إعلامية صاخبة.
لم يكن المؤتمر للاقتصاد، إذن، بل كان حفلًا كبيرًا لتعويم جنرالٍ يتعثّر في مساره، الذي أراد أن يورّط فيه أكبر عدد ممكن من الشخصيات والأحزاب السياسية، التي يُطلق عليها معارضة. ومن هنا كان يركّز، طوال الوقت، على حتمية التكاتف والشراكة في إنقاذ هذا المسار الذي أوجد سخطًا اجتماعيًا متناميًا بشكل مضطرد مع تفاقم الفقر في أوساط الغالبية الكاسحة من الشعب.
استباقًا للمؤتمر الذي حرص على أن يوجد فيه أكبر عدد ممكن من وجوه جبهة الإنقاذ التي تشكّلت في العام 2013، وكانت جسرًا مدنيًا لعبور آليات الانقلاب العسكري، كانت هناك زفّة مدنية ديمقراطية صاخبة احتفالًا بالعفو الرئاسي عن المحامي والسياسي الشاب زياد العليمي.
العائد إلى الأسفلت ظهر بإطلالة أنيقة للغاية على باب السجن، وسط حضور بهيج من الرفاق والأصدقاء الذين ظهروا لاحقًا في الصفوف الأولى في المؤتمر الاقتصادي الذي تحدّث فيه صاحب الدعوة في الافتتاح والختام أكثر مما تحدّث ذوو الاختصاص، أو الذين يُفترض أنهم كذلك.
الشاهد أن المالك الحصري والمدير الأوحد لذلك المسار كان حريصًا على إبراز كل تلك الوجوه في الصورة التي أراد تصديرها للعالم عن انفراجةٍ سياسيةٍ كاذبةٍ وسعة أفق مزعومة تستوعب مختلف ألوان الطيف السياسي، وهي الصورة/ الرسالة المطلوب توجيهها إلى العالم قبل انعقاد مؤتمر المناخ، وكذا يٌراد إرسالها إلى الداخل الذي يترقب دعوات إلى التظاهر في الحادي عشر من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني).
لم يخل الأمر بالطبع من مزيد من توابل الإثارة، بفتح شاشة ماسبيرو لشخصيةٍ مثل رئيس حزب الدستور، جميلة إسماعيل، بعد فترة طويلة من حظر الظهور، لتتحدّث في مداخلة طويلة بما لا يتفق شكلًا موضوعًا مع ما يقوله جنرال المسار، وتزداد الإثارة مع الإعلان بكثافةٍ عن حذف المداخلة من موقع القناة المصرية الأولى على"يوتيوب"، فتشتعل محرّكات البحث عن المداخلة المحظورة، ويصل خبرها إلى من لم ينتبهوا إلى حدوثها أصلًا.
وسط هذا المناخ المشبع بالإثارة والتشويق، تأتي لحظة إعلان وفاة العملة المحلية، المعروفة إعلاميًا بتعويم الجنيه، ليقفز الدولار قفزة جنونية أخرى، مسجلًا أكثر من 23 جنيهًا مصريًا للدولار الواحد، مقتربًا كثيرًا من حالة الليرة اللبنانية، التي كان السيسي يسخر منها قبل يومين، ويعزو مأساتها إلى التظاهر والحراك الثوري، الملعون مثل الربيع العربي والإسلام السياسي اللذيْن يقفان وراء انهيار الأوطان سياسيًا واقتصاديًا.
كان المقصود، إذن، أن يصبح هؤلاء الليبراليون والديمقراطيون واليساريون المصنّفون معارضة شركاء أمام الرأي العام في الداخل، وأمام العالم الخارجي أيضًا، شركاء في قرار كارثة العملة المحلية، بما أنهم شركاء في المسار الذي يقودُه الجنرال بطلب منهم وتحت إلحاحهم، أو كما قال له مذيع القناة الأولى المصرية مرتعشًا إنهم جميعًا ذهبوا إليه قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وتوسّلوا إليه أن يخلصهم من حكم الرئيس الذي انتخبته أغلبية الشعب المصري، وكان انتخابه الملمح الوحيد الباقي من ملامح ثورتهم في العام 2011.
المتصوّر الآن بعد الإعلان عن قرار الزعيم الذي لا يُسأل عمّ يفعل لأنه يحكم وفقًا لقاعدة "ففهمناها سليمان" أن يصدر بيانٌ من الوجوه التي جرى حشرها حشرًا في المؤتمر الاقتصادي تعلن فيها براءتها من جريمة رهن البلد كله لإرادة صندوق النقد الدولي، واعتذارها لجماهير الشعب عن استخدامها في تمرير جريمةٍ بحق البلاد والعباد ستلحق آثارها الكارثية بأجيال قادمة.
من دون إعلان موقفٍ واضحٍ يرفض هذا الخراب، ويعلن دعمه حقّ الجماهير في التعبير والاحتجاج على هذه السياسات الاقتصادية والاجتماعية الكارثية، يكون هؤلاء المستخدمون في صناعة صورة اصطفافٍ مع النظام شركاء في صناعة هذه الكارثة.