سورية بين زلزالَين

10 فبراير 2023
+ الخط -

تبدو الهزّة الأرضية في شمال غرب سورية، فجر السادس من فبراير/ شباط الحالي، كأنها حركة ارتدادية للزلزال الكبير الذي ضرب هذا البلد منذ عشر سنوات، وأدّى إلى تدمير جزء كبير منه، وتهجير أكثر من نصف شعبه، وخرابٍ شامل في البنى التحتية. وظهرت بشكل جلي تأثيرات الحرب التي شنّها النظام على الشعب، على الزلزال الحالي من خلال الأضرار المباشرة، والاستجابة للتعامل مع الكارثة، وبطء رد الفعل على المستويين، الدولي والعربي، والمنظمّات الإنسانية والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وليس مصادفةً أن تكون مدينة حلب أكثر الأماكن التي لحقت بها الأضرار، من بين مناطق سورية التي ضربها الزلزال، رغم أنها بعيدة عن مركزه، والتفسير الوحيد الذي اتفق عليه المتخصّصون هو الانهيارات الواسعة للمباني التي تضرّرت خلال عام 2016 من جرّاء حرب النظام وروسيا وإيران على الفصائل المسلحة، وفي حينها، استخدم الروس أسلحة عالية التدمير من أجل إجبار الفصائل على مغادرة المدينة في مطلع 2017.

القاسم المشترك بين سورية وتركيا أن الأضرار التي خلّفها الزلزال كبيرة فيهما، بسبب الطبيعة الهشّة لمعظم المدن والقرى ذات الطابع الريفي التي ضربها، إلا أن آثار الحرب في سورية فاقمت من الخسائر. ولم يقتصر الأمر على حلب، بل ينسحب على إدلب التي كان لتجمّعات اللاجئين النصيب الأكبر من الخسائر، سواء لجهة العمران البدائي، أو الأعداد الكبيرة من السكان المهجّرين من مدن أخرى، الذين جرى نفيهم إلى هذه المدينة، وتركهم من دون حدٍّ أدنى من الخدمات، التي تنهض ببعضها منظمات دولية تستهلك القسم الأكبر من الأموال الدولية المخصّصة للمساعدات من أجل تسديد رواتب موظفيها. وفي حين وظّفت الدولة التركية كل مواردها لمواجهة الكارثة، ما ساعد على تقليص الخسائر، لم تكن في سورية سوى جهة واحدة، كانت تعمل على الأرض وتخاطب العالم، هي الدفاع المدني، الذي نشر نحو ثلاثة آلاف متطوّع، لا تتوافر لهم مستلزمات القيام بهذه المهمة من آليات ثقيلة ومحروقات، وكانوا يعملون في ظروفٍ صعبة، بعد أن تراجعت المساعدات الدولية لهذه المناطق، بسبب الضغط الروسي على الأمم المتحدة، من أجل توجيهها نحو النظام، الذي استفاد منها للبقاء على قيد الحياة، واكتفى بتمرير القليل منها إلى المناطق الخارجة عن سيطرته.

وهناك ملاحظة مهمة، أنه لم يبرز في هذه الأزمة أي دور للنظام وروسيا وإيران، وهم الذين لا يتأخّرون في ارسال الجيوش والمليشيات من أجل الحرب التي دمّرت سورية، وخصوصاً البنى التحتية التي تُبرز الحاجة الماسّة لها خلال الكوارث الطبيعية، مثل شبكات الطرق والكهرباء، والماء، والوقود، والطبابة. وقد تعمّدت روسيا خلال عامي 2019 و2020 تدمير كل البنى التحتية في شمال غرب سورية، وخصوصاً المشافي، وخاضت حرباً على المستوى الدولي ضد الدفاع المدني - الخوذ البيضاء، واتهمتها بالإرهاب لأنها وثقت جرائمها.

على مستوى المساعدات الدولية، كان هناك سلاسة في ايصالها إلى تركيا وصعوبة وتعقيدات لا حدود لها في سورية، وفي حين أنها بدأت تتدفق إلى تركيا منذ اليوم الثاني لوقوع الكارثة، بما في ذلك فرق الإنقاذ الدولية، فإنها لم تصل إلى سورية في الأيام الثلاثة الأولى، لا من الغرب ولا الشرق ولا حتى العالم العربي. وهناك أسباب كثيرة، أهمها أن الدول الكبرى بدأت منذ عدة أعوام بتقليص مساعداتها التي كانت تصل إلى السوريين، من خلال معابر وممرّات خارجة عن سيطرة النظام، حتى تدخلت روسيا عبر مجلس الأمن لتعكس المعادلة، وهذا ما حصل. إلا أن هذا لا يشكل ذريعة لترك ملايين السوريين يواجهون مصيراً مأساوياً من دون أفقٍ سياسي، ولعل الزلزال مناسبة لمراجعة دولية تتجاوز ما هو إنساني.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر