15 نوفمبر 2024
دستور الحاكم بأمر الله
هل كان من المتصوّر ألا يعدل عبد الفتاح السيسي في دستوره؟ هل كان يتوقع أحد من عمرو موسى، رئيس ما تسمى لجنة الدستور، أن يتصرّف على نحو آخر غير الذي رأيناه وهو يجلس بين يدي واحدٍ من مذيعي السيسي متلعثمًا ومرتجفًا، وهو يردد أن تعديل الدستور ينبغي أن يتم باحترافية شديدة؟
هذه الـ "ينبغي"، في ظني، لا تعود على الاحترافية الشديدة، بقدر ما تعود على التعديل، ذلك أن هؤلاء القوم يسلكون بسيكولوجية مرتكب جريمة اختطاف، يهرب إلى الأمام بفريسته، تمامًا كما يفعل عبد الفتاح السيسي، منذ اللحظات الأولى للانقلاب، حين أطلق النار على كل فرصةٍ تلوح لإيجاد حلٍّ سياسيٍّ للمتاهة التي دخلت فيها مصر عقب جريمة اختطاف السلطة الشرعية ورئيسها المنتخب.
مبكرًا جدًا، وقبل أربع سنوات، قلت إن واقع الأمر ينطق بأن السيسي يركض هاربا بالمسروقات بسرعة مجنونة، حتى أوشك أن تنقطع أنفاسه، ولا يعلم أحدٌ متى تسقط منه، أو سيسقط بها هو، أيهما أقرب، غير أن المؤكّد أن قصص التاريخ تنبئنا أن الطغاة يبيدون كل من يستشعرون من وجودهم خطرا، يتخلصون منهم واحدا تلو الآخر، حتى تضيق الدائرة، فلا يبقى للطاغية إلا ظله، فيقوده جنونه إلى إطلاق الرصاص عليه.
وينسحب الأمر نفسه على جمهور ولاية السيسي الإقصائية الإحلالية، ستظل تفعل كل شيء لإفناء ما دونهم من السكان، حتى يصل بها الأمر، لكي تقتل بعضها بعضا، وتأكل نفسها، حين لا تجد مزيدا من الضحايا، تمارس فيهم وحشيتها.
وعلى ذلك، لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يقدم فيها السيسي على ارتكاب تعديلاتٍ دستورية، إذ كلما فكر، في النهاية، قرّر أن يبدأ من جديد، فيشطب التاريخ ويلغي التقويم، هكذا في عمليةٍ دائمةٍ لن تتوقف إلا بتوقف نبضه. وكما كتبت سابقًا، فإن الطاغية لا يترك القصر إلا إلى القبر، ولا يغادر العرش إلا إلى النعش، وهو في هذه السيرورة المرعبة لا يتورّع عن قتل كل قيد أو نص يستشعر منه توقيتًا لانتهاء فترة حكمه، وكما لا يمكن تخيل أن يحيا مستبدٌ من دون استبداد، فإنه لا يستقيم أيضًا أن يتصوّر طاغيةٌ أن يعيش تحت رحمة دستور، أو قانون. وإذا كان الدستور هو أبو القوانين، فإن الطاغية يعتبر نفسه أبًا للدستور والقوانين معاً.
وإذا كان صحيحًا أننا بصدد عملية تعديلٍ في دستور لقيط، لسلطة سفاح، فإنه ليس صحيحًا تمامًا الاكتفاء بالفرجة والشماتة فيمن صدّقوا أكاذيب الاستبداد وأوهامه، ذلك أن الموضوع يتعلق بصناعة نموذج جديد للحاكم بأمر الله، يلغي مفهوم الدولة، ويلتهم معنى الوطن، ويحوّل مصر إلى مغارةٍ جبليةٍ يتحكم فيها مجموعة من القراصنة، تطل منها فوهات بنادق وسياط تنهمر على رأس كل من يفكر في إزاحتهم، أو حتى مساءلتهم. ولعل هذا ما يفسر حالة الاحتشاد غير العادية لفيلق المنتفعين من الطغيان، لفرض التعديلات على الجميع، ومن يعترض يكون مصيره الشنق على أعواد الاستقرار المزعوم، والاستقلال الوطني الموهوم.