حرب بلا أفق

18 مارس 2022
+ الخط -

كان الاعتقاد إذا حصل الغزو الروسي لأوكرانيا أنه سينتهي بسرعة، مثل عملية احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014، التي كانت دقيقة، واستخدم فيها الروس تفوقاً تكتيكياً ساحقاً. ومن المرجّح أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أساء فهم طبيعة الوضع السياسي في أوكرانيا، وقوة المقاومة التي قد تواجه جيشه، وها هي الحرب تدخل أسبوعها الرابع، والقوات الروسية تواصل الضغط من أجل التغلغل في العاصمة كييف، لكن يبدو أن هذه المهمة صعبة، بسبب ضراوة المقاومة على مداخل المدينة، كما الحال في مدن الشرق التي كانت التقديرات ترشّحها للسقوط السريع بيد قوات الموالين لروسيا في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين، وهذا ما لم يحصل. وتؤكد المعلومات أن هناك مقاومة شرسة في مدن ماريوبول وأوديسا وخاركيف، ويبدو أن القتال على أشده في المدن التي باتت محاصرة، مثل ماريوبول، حيث يدافع عن المدينة قرابة عشرة آلاف مقاتل، هم خليط من القوميين، يدعمهم رجل أعمال أوكراني ومجموعة من التتار المسلمين وأهالي القرم والدونباس، ويقودهم جنرال سابق.

والثابت أن العملية العسكرية الروسية نجحت في تقطيع أوصال المناطق التي تقدّمت نحوها، وألحقت دماراً كبيراً بالعمران والبنى التحتية، حيث تكشف الصور التي نقلتها وسائل الإعلام عن إفراط روسي في التدمير، جرياً على الأسلوب الذي اتبعته القوات الروسية في حربي الشيشان وسورية، وهذا يدل، من جهة، على وجود مقاومة شرسة تقاتل في هذه المناطق. ومن جهة ثانية، يكشف عن عدم قدرة روسيا على تحقيق الحد الأدنى من أهدافها. وفي الحالين، لا ينتج من ذلك سوى مزيد من التدمير والفشل، سياسياً وعسكرياً. ولا يعني ذلك أن الرئيس الروسي سيستفيد من الدرس الذي تلقاه في الشهر الأول من الحرب، ويتراجع خطوة إلى الوراء، كي يحدّ من خسائر جيشه على يد الجيش والمقاومة الشعبية الأوكرانية. وكان الجيش الرسمي الأوكراني قد انتهى كلياً في عام 2014 حين ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم، ولكنه أعاد بناء نفسه، وهو يتألف اليوم من مائتي ألف جندي، ويُعَدّ أقوى الجيوش وأكبرها في شرق أوروبا، ويتجاوز في عديده جيوش رومانيا، وبولونيا، ومولدوفا والمجر. وقد حصل هذا الجيش على سلاحٍ حديث، أثبت فعالية عالية في الحرب الحالية على الجبهات كافة، وخصوصاً في الدفاع الجوي من خلال صواريخ ستينغر الأميركية التي حدّت كثيراً من عمل الطيران الروسي الذي صار يحلّق على ارتفاعات عالية، أو يرسل صواريخه من خارج الأجواء الأوكرانية، والأمر ذاته بالنسبة إلى الصواريخ المضادّة للدروع، حيث زُوِّدَت أوكرانيا بأحدث ما أنتجته الترسانة الغربية، مثل "جافلن" الأميركي و"هوت" الفرنسي، و"هيل فاير" البريطاني.

لن يقبل بوتين بأن يخسر هذه الحرب، فهو منذ الحرب في الشيشان وجورجيا والقرم وسورية، بنى لنفسه صورة القائد الذي لا ينهزم، على الرغم من أن كل الانتصارات السابقة تحققت بكلفة قليلة نسبياً، لأنها قامت على التدمير والمجازر والتهجير، ومثال ذلك مدينة غروزني التي كانت تتلقى 30 ألف قذيفة مدفعية في اليوم، واستخدم في معركة حلب عام 2016 أسلحة عالية التدمير، دفعت الأهالي إلى الهجرة وتسليم المدينة. ولا يبدو في الأفق أن هناك نافذة سياسية مفتوحة أمامه، بعدما نجح الرئيس الأميركي، جو بايدن، في توحيد الموقف الغربي ضد روسيا، وفرض عليها عقوباتٍ قاسية غير مسبوقة. ومن المؤكد أن هذه العقوبات لن تنقذ أوكرانيا من التدمير، ولكنها ستكون ذات آثار كبيرة على روسيا في المديين، المتوسط والبعيد.

فاز بوتين عام 2014 بالقرم، ولكنه خسر أوكرانيا، ويبدو أن حرب أوكرانيا ستكلفه خسارة روسيا.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر