جليسة أطفال للرئيس العيّاط
يبدو لي عبد الفتاح السيسي، طوال الوقت، مسكوناً بوهم أنه المعجزة التي جاءت لتنهي عقم مصر. هو الولد الذي وهبه الله لعاقر في أرذل العمر. وعلى ذلك، فالكل مسخّر للابن "الحيلة"، حتى وإن كان مبتسراً، وغير مكتمل الوعي والإدراك، ومرتكباً من الأخطاء والكوارث ما يضع المجموع في قلب الخطر.
قبل عام مضى، كانت النخب المتحلقة حول عبد الفتاح السيسي، في معظمها، مشغولةً بموضوعٍ مثيرٍ للضحك، فرضته قضيةٌ قومية كبرى، هي عدد ساعات نوم الرئيس "المبروك"، بعضهم كان يصرخ وينتحب: الزعيم لا يعرف طعم النوم من أجلكم، أيها المواطنون الأوغاد.
اندهشت وقتها من أن نخبة السيسي مشتبكةُ وغارقةٌ حتى الأذقان في عدد ساعات نوم جنرال الضرورة. فالأستاذ محمد حسنين هيكل، قبل رحيله، يقول للميس الحديدي، عنه إنه ينام ساعتين فقط، ومصطفى بكري يقول لنفسه إنه ينام أربع ساعات في اليوم، وباقي اليوم شغل من أجل مصر. هل في أي مكان في العالم، من الأول إلى ما بعد الثالث، سمعت عن اشتعال المجتمع السياسي جدلاً بشأن نوم الرئيس، من خلافٍ حول عدد الساعات، إلى القلق على صحته الجسدية والذهنية.
الرئيس لا ينام، تلك كانت أم القضايا التي ينبغي أن تبقى وحدها موضع الاهتمام والقلق، لا سد النهضة، ولا الخراب الاجتماعي والسياسي، ولا الفساد الذي بلغ حجمه 600 مليار دولار، وفق الجهاز المركزي للمحاسبات، حتى تشعر من فرط انزعاجهم أنهم ربما يدعون إلى مليونيةٍ ترفع شعار "الشعب يريد تنويم الرئيس"، إلى الحد الذي تخيلنا أنهم ربما يتوافقون على تسيير دورياتٍ لمثقفي السلطة، تتولى مهمة نوم الرئيس، يقصّون عليه الحواديت، ويهدهدونه ويعزفون الموسيقى الهادئة، ويغلون اللبن ويقدمونه إليه دافئاً، كي ينام ملء جفنيه.
ووصل الأمر إلى أن يبدي الزميل عماد الدين حسين في "الشروق" انزعاجه من عدم نوم الرئيس، متأثراً بحديث هيكل عن أرق سيادته "أتمنى أن يبادر الرئيس السيسي إلى وقف هذه العادة فوراً، لأنه لا يمكن لشخصٍ أن يواصل حياته بمثل هذا المعدل من ساعات النوم"، قال عماد، مستندا إلى قول هيكل إن الجنرال أخبره بنفسه إنه لا ينام إلا ساعتين يومياً.
الآن، وبعد سنة، تنتحب النخب وتلطم الخدود على بكاء الرئيس. وكالعادة، يتم استنزال اللعنات على الشعب الذي يدفعه إلى "العياط" أمام الميكروفون والكاميرا، ويصبح واجب الوقت، بعيون الفاشية السيسية، أن تتحوّل الأمة من حالة البكاء من الزعيم إلى حالة البكاء على الزعيم، العاجز، الغارق في أوهام فرادته وريادته.. فليتوقف الجميع عن الحياة، لا طعام، لا كلام، لا تنفس، ولتبادر مصر كلها إلى هدهدة الرئيس، حتى يتوقف عن البكاء، التليفزيوني، شديد الاحترافية.
كان سفلة الإعلام والسياسة، ومازالوا، يسخرون من الرئيس المنتخب، محمد مرسي، لأن اسم عائلته الأخير كان "العياط"، افتتحها وحيد حامد، بخيال السيناريست المريض بالعنصرية والكراهية، وتلقفها "البلوفر" الذي كان يرى نفسه الأجدر بحكم مصر، بدلاً من هذا الذي يحمل في نهاية اسمه "العياط"، ثم مضى إعلام صفيق، وبذيء، يعزف النغمة ذاتها، في أكثر صور المعارضة ابتذالاً وانحطاطاً.
الآن جنرالكم "يعيّط عياطاً تمثيلياً باهتاً"، فهو "عيّاط" محترف، يتقمص أشهر الشخصيات الدرامية، المزيفة، التي قدمها أحد أذرعه المسرحية، محمد صبحي، إذ التماهي كامل بين السيسي وشخصية "علي بيه مظهر" التي قدمها صبحي، كوميديان حسني مبارك والسيسي، قبل عقود، ذلك النصاب الجاهل الفاشل، الذي يقترف مهازل وكوارث، ثم يدّعي أن العالم كله يحاربه، والحظ يعانده.
منذ اعتلى الحكم، يلعب السيسي على ثيمةٍ واحدة، هي الجوع، رافعاً شعاراً وحيداً يقول: املأوا زنازيني بأولادكم وبناتكم، وجوعوا، وقاطعوا الأكل، حتى أبني لكم وطناً، فكانت دعوته الخالدة للشعب أن يقسم الرغيف إلى خمسة أجزاء، لحل مشكلة الغذاء، ثم تطور الأمر إلى "نجوع كي لا نهدم الدولة". الدولة هنا هي القوات المسلحة، كما خرجت منه الكلمات، أخيراً، الدولة هي رأس النظام وعضلاته، أما الشعب فليس أكثر من وقودٍ لحافلتها المتهورة، وحطب لمدفأتها، وهذا المعنى عاد لتأكيده، عقب حادث الطائرة الروسية في شرم الشيخ، وقبل ذلك أعلنها وهو يفتتح مسجداً يحمل اسم معلمه المشير حسين طنطاوي "لازم لازم إن شالله ما ناكلش عشان نبني بلدنا".