جدل الحجاب والحواجب

07 مارس 2023
+ الخط -

"تحت الوصاية".. عنوان مسلسل منى زكي في رمضان المقبل. سيدة مصرية، مات زوجُها، فعملت في صيد الأسماك، لتربّي أولادها، وهو ما عرّضها إلى مضايقاتٍ من رجالٍ رفضوا أن تقتحم "امرأةٌ" مهنتهم. من هنا، تدور الأحداث، في إطار تثمين سعي الأرملة على أولادها. نشرت الشركة المنتجة "بوستر" دعائيا للمسلسل، صورة لمنى زكي، بالحجاب. ومن الطبيعي أن تكون هذه المرأة محجّبة، ليس لأن أكثر من 90% من المصريات محجّبات، بطرق مختلفة، ولكن لأن السيدة، وطبقتها، ومهنتها، والمدينة التي تدور فيها الأحداث، لا تسمح إلا بأن تكون البطلة محجّبة. أثارت صورة "البوستر" موجةً من التعليقات، أعترف أنها كانت مفاجئة بالنسبة لي، إذ التقط أحدُهم شكل "حواجب" منى زكي في الصورة، واعتبر كثافتها دليل تشويه متعمّد لصورة المحجّبة، وأنها مؤامرة على الحجاب، وعلى المحجبّات، وعلى التديّن، وعلى الدين، وعلى الشريعة. وهكذا بلا نهاية. لم ير أحدٌ المسلسل بعد، ولم ينشُر صنّاعه أي تفاصيل أكثر من فكرته الأساسية، والتي لا يبدو منها أنها تتطرّق إلى "مسألة الحجاب" من قريبٍ أو بعيد، لكن عنوان المسلسل "تحت الوصاية" مع "حواجب منى" كانا كفيلين بكل شيء.
مرّ الحجاب في المعالجات السنيمائية والدرامية المصرية بثلاث مراحل، الأولى: ما قبل السبعينيات، سواء في العهد الملكي أو الناصري، من دون تفريق. يبدو الحجاب، هنا، اختيارا دينيا وطبقيا، فهي غالبا ريفية، وطيّبة، من أمهاتنا، أمينة رزق، فردوس محمد، آمال زايد، وغيرهن. لا يستهدف المؤلف أو المخرج هنا البعد الديني أو الطبقي قدر استهدافه الواقعية، ولا مشكلة مع الحجاب في العهدين، رغم النزوع العلماني في مشروع جمال عبد الناصر، والذي كان هادئا ومتصالحا مع الدين، في أبعاده الشعائرية والقيمية، ولم يغير ذلك اشتباكه مع "الإخوان المسلمين"، بل على العكس زاده ظهورا في خطابات عبد الناصر تأكيدًا على انحيازاته وقطعا للطريق أمام مزايدات خصومه. 
بدأت المرحلة الثانية مع سبعينيات أنور السادات، وامتدت إلى ثمانينيات حسني مبارك وتسعينياته. تحوّل الحجاب إلى ظاهرة، وبعد أن كان ريفيا، صار عابرا للطبقات، وغزا المدن، والجامعات، وانتقل من الطبقة الفقيرة إلى المتوسّطة والغنية. وترافق ذلك مع تحوّله إلى "علامة" على تيار أيديولوجي، ومشروع سياسي، ليس بالضرورة عند كل من يختارونه من "أهالينا"، لكن لدى من أنتجوا "خطابات الحجاب"، وربطوه وجودا وعدما، بالانتصارات أو الهزائم العسكرية، وزيادة الأسعار أو انخفاضها، وانتقلوا به من القيمي إلى العقدي، ومن الاختياري إلى الإجباري. وحوّلوه، في الثقافة الشعبية، إلى معيارٍ يفصل بين المرأة الشريفة وضدها. 
من هنا اتخذ "موضوع" الحجاب أبعادًا سياسية وثقافوية، وانعكست هذه الأبعاد، بالضرورة، على بعض المعالجات الفنية، سواء باختيار أصحابها وتعبيرا عن انحيازاتهم، أو بشكل موجّه، في إطار الصراع "السياسي" بين السلطة والإسلاميين، إلا أن البعد الديني في مسألة الحجاب حال دون التمادي في "تنميط" المحجّبة، وبدا تجاهلها أكثر أمانا وأفضل من التعرّض لها بشكل سلبي. 
جاءت المرحلة الثالثة مع موجة أفلام الشباب، منذ نهاية التسعينيات وحتى ثورة يناير أو انقلاب يوليو 2013، وشهدت "أنسنة" تناول المحجّبات على الشاشات، وظهرن طيّبات وشرّيرات، ومؤدلجات، وعاديات، اخترْن أن يكن محجّبات، من دون أي أبعادٍ غير دينية، وهو ما قدّمته منى زكي نفسها في فيلم "سهر الليالي"، والذي انشغل بمعالجة مشكلات تخصّ الطبقة الغنية. ولم يكن ظهور الحجاب فيه سوى "تمثيل" عادلٍ لمدى حضور الحجاب في هذه الطبقة. وظهرت البطلة بشكل إيجابي، وكانت، ربما من دون غيرها، من بطلات الفيلم، ومن دون قصد، الأكثر "سوءا" نفسيًا. 
تتجاوز التعليقات على مسلسل منى زكي أبناء التيار الإسلامي وخصومتهم مع الدولة إلى غيرهم، وغيرهن، من محجبّات عاديات. ورغم ذلك رأين في صورة منى تهديدا لهن، ولصورتهن على الشاشة. ويمنحنا ذلك استفتاء "رمزيا" عن صورة الدولة (المسيطرة على المنتجات الفنية بالضرورة) لدى قطاعٍ كبير، وغير مسيّس، من المصريين والمصريات.