جبهة لبنان: الحسابات المعقّدة

15 أكتوبر 2023

دخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية على قرية علما الشعب جنوبي لبنان (13/10/2023/فرانس برس)

+ الخط -

منذ اليوم الأول لإطلاق العدوان الإسرائيلي على غزّة، كان واضحاً أنه لن يكون مثل أيٍّ من سابقيه، وأن أبعاده وأهدافه أكبر بكثير مما كان الوضع عليه في الحروب السابقة على قطاع غزّة. لذا اتجهت الأنظار إلى جبهة لبنان، لقياس ردّة فعل حزب الله على الممارسات الإسرائيلية التي كانت تدميرية منذ اليوم الأول، حتى أن حركة حماس، ومع إعلان زعيمها العسكري، محمد الضيف، عن عملية "طوفان الأقصى"، وجّه مناشدةً مباشرة لكل فصائل "المقاومة في لبنان وإيران واليمن والعراق وسورية للالتحام مع المقاومة بفلسطين". 
غير أن الانتظار طال، فاكتفى حزب الله ببعض المناوشات المحدودة على الحدود مع فلسطين المحتلة، من دون تخطّي حدود "ضوابط الاشتباك"، ومهاجمة العمق الإسرائيلي، وهو ما جارته فيه إسرائيل إلى حدٍّ ما، إذ اقتصر ردّها على قصف لا يطاول العُمق اللبناني. وفي مقابل عدم الدخول المباشر في المعركة، عمَد حزبُ الله إلى تسهيل حركة بعض الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان للوصول إلى الحدود ومحاولة التسلّل إلى الداخل الفلسطيني.
ردّة فعل حزب الله تجاه هذه الحرب التدميرية ضد "حماس" وقطاع غزّة علامات استفهام كثيرة، حتى أن أمينه العام، حسن نصر الله، لم يخرج في كلمة مباشرة أو مسجّلة لإدانة العدوان الإسرائيلي، وهو الذي لم يكن يفوّت مناسبة، وأحياناً يتم اختراع مناسبة له، ليعتلي المنبر ويطلق التهديدات ضد دولة الاحتلال، حتى أنه في اليوم الثالث للحرب على غزّة، راجت معطيات أن نصر الله سيتحدّث، وتم تحديد الموعد لذلك، غير أن الحزب نفى في اللحظات الأخيرة وجود كلمة مجدولة لأمينه العام.
من الواضح أن حزب الله، ومن ورائه إيران، يتريّثان في دخول الحرب، نظراً إلى حسابات معقّدة مرتبطة باعتباراتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ ومحلية. فما تشكّل من تحالف دولي بعد عملية طوفان الأقصى، يعيد إلى الأذهان المعسكر الذي تشكل لمحاربة تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، وهو ما تشدّد عليه الولايات المتحدة وإسرائيل لربط حركة حماس بهذين التنظيمين، إضافة إلى الدخول الغربي شبه المباشر في الحرب، عبر إرسال الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا حاملات طائرات وسفن حربية ومقاتلات إلى المنطقة. هذا الحشد يقرأه حزب الله وإيران على أنه ليس خاصّاً بـ"حماس" وغزّة، ولا حتى بلبنان في حال دخول حزب الله في المعركة، بل لاستغلال ظرف التجييش الدولي القائم لشنّ الحرب ضد إيران التي لطالما جرى الحديث عنها أميركياً وإسرائيلياً خلال السنوات العشر الماضية.
تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال جولته على المنطقة، توحي بالخشية الإيرانية من الدخول في المعركة، إذ اكتفى بالإشارة إلى "التنسيق بين فصائل المقاومة"، وشدّد على "الخيار الدبلوماسي"، وعلى أن الردّ على إسرائيل سيكون "في الوقت المناسب"، ما يعني ضمناً أن الظرف الحالي ليس مواتياً للانخراط في حربٍ لا أحد يعلم كيف يمكن أن تنتهي.
إضافة إلى المعطى الدولي بالنسبة لإيران، هناك معطى محلي، خصوصاً في ما يتعلّق بحزب الله، والذي لم يعد كما كان عليه في عام 2006، فإذا كان الاحتضان الشعبي للحزب عارماً خلال تلك الحرب، فإنه خلال السنوات السبع عشرة التالية خلق الكثير من العداوات الداخلية بعد سيطرته على البلاد، ما يُفقده ظهيره الداخلي الذي آزره في 2006، وهو ما بدأ يظهر في حملاتٍ في بعض المناطق اللبنانية ترفض استقبال النازحين من الجنوب في حال اندلعت الحرب، أو حتى تأجيرهم بيوتاً. ويمكن أيضاً إضافة الوضع الاقتصادي المتردّي الذي يعيشه لبنان، والذي قد تزيد الحرب من كارثيّته، إلى العوامل التي تجعل الحزب متردذداً في دخول المعركة.
في المقابل، لا شك في أن إيران وحزب الله يعيشان حرجاً كبيراً وهما يتفرّجان على الإبادة التي يتعرّض لها قطاع غزّة، وفي حال انتهت الحرب وفق ما تريد إسرائيل لجهة إنهاء حكم "حماس"، من دون تدخّل أي طرفٍ آخر، فإن الحزب بشكل أساسي سيفقد مبرّر وجوده، باعتبار أن كل الشعارات التي كان يرفعها طوال السنوات الماضية اتّضح أنها فارغة من أي مضمون. كذلك فإن السماح بالاستفراد بـ"حماس" بهذا الشكل قد يعني أن الدور قد يأتي عليه لاحقاً، وفق السيناريو نفسه.
هذه الحسابات المعقدة تبقي الوضع على جبهة لبنان ضبابياً إلى حد الآن، إذ لا يمكن الجزم بما قد تحمله الأيام، بناء على مسار الحرب وتحوّلاتها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".