ثيران وحمدين على مذبح الانتخابات
مرة أخرى، تُساق مصر إلى المصير البائس ذاته، بالطريقة ذاتها، وعبر الأشخاص أنفسهم، مع فارق وحيد، هو أن الظروف والملابسات هذه المرة أسوأ بكثير من الأولى.
يدعو حمدين صباحي المصريين للدخول في اللعبة الانتحارية، الانتخابية، بعد أربع سنوات من مسرحية 2014 التي منحت عبد الفتاح السيسي لقب "منتخب" زيفاً وبهتاناً، ليقدّم نفسه للعالم باعتباره الآتي عبر صندوق الانتخابات، بعد منافسةٍ مع محترف دور المنافس النموذجي المهزوم.
ما الذي تغير بعد أربع سنوات من تلك المسرحية السخيفة التي لعب فيها صباحي دوره، من دون خروجٍ عن النص، فيما لعب السيسي دور المؤلف والمخرج والمنتج والبطل؟
لا شيء سوى أن الجنرال استثمر النتيجة، المحدّدة سلفاً، في التهام كل أشكال المعارضة الجادّة، وإحراق كل أشكال الرقابة والمحاسبة، فصار هو البرلمان، وهو القضاء وهو القدر، بعد استحواذه على السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، بل والروحية أيضاً.
يقولون إن الاعتراف سيد الأدلة، وعندما يأتي الاعتراف من رجال حمدين، أنفسهم، فإنه يرقى إلى مستوى الوثيقة والدليل الدامغ على أنه كان يلهو في المساحات التي رسمها الجنرال، لمصلحة الجنرال، فيما سميت انتخابات الرئاسة 2014.
في مداخلته مع تلفزيون العربي، أطلقها محمد سامي، رئيس حزب الكرامة الذي أسسه حمدين صباحي، صريحة ومباشرة: "خوض حمدين صباحي الانتخابات الرئاسية الماضية كان لإعطاء شرعية لإدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي"، أضاف: "ومن غير اللائق أمام العالم أن نظهر وكأن انتخابات مصر عملية ورقية، وتشكك في شرعية الرئيس السيسي". وزاد "إحنا عندنا وعي وإدراك للانتخابات منذ 40 عاما، فنحن خضنا المعركة الانتخابية لإجبار الرئيس عبد الفتاح السيسي على توضيح برنامجه الانتخابي، ونحن كنا متأكدين من خسارة حمدين".
قال حمدين نفسه وقتها إن الانتخابات بين "الحسن والأحسن"، مكتفيا لذاته بوصف الحسن، فيما اعتبر السيسي أحسن منه، بما يؤكد المعنى، وهو أنها كانت عمليةً متفقاً عليها لخلع ملابس الجنرال عن السيسي، ونزع صفة الانقلاب العسكري عما جرى في 2013.
وكما وصفتها في ذلك الوقت، إن ما سميت "الانتخابات جرت بين قائد للثورة المضادة ومورد أنفار لها. وبالتالي، لم يكن منطقياً أن يتحدّث أي منهما عن يناير، فالحاصل أن "30 يونيو" كانت هدماً وحرقاً لثورة يناير، ومن ثم جرت انتخابات ما بعد الانقلاب بين شخصٍ يرتدي الزي العسكري، وآخر تتلبسه العسكرية.
هذه المرة، لم يعلن حمدين أنه سيكرّر اللعبة بنفسه، وإنما سيخوضها عبر "حمدين آخر"، يدعو إلى اختياره والتوافق عليه، ليؤدي الدور نفسه، أمام "الأحسن السابق" الذي صار أسوأ من حسني مبارك ونظامه، الآن، حسب رأي صباحي، ومن ثم يكون الحشد، هذه المرة، من أجل تحقيق فوزٍ ساحق للسيسي، يمنحه الفرصة ليقول عن نفسه إنه الذي هزم المعارضة مرتين، وحصل على كمياتٍ مضافة من الشرعية، وإنْ كانت زائفة.
يجري كل هذا العبث الممسرح، بينما الشرعي الحقيقي، المنتخب، يواجه صنوفاً من التعذيب النفسي والتنكيل داخل زنزانته، في ظل حالة صمتٍ مطبق، حد الرضا، من الذين يطنطنون إن النظام الحالي هو النسخة الأسوأ من نظام حسني مبارك.
وأنت تراقب تحرّكات حمدين صباحي وحركاته، الموسمية، دعني أعيد عليك بعضاً مما ورد في الدراما الإغريقية القديمة المنسوبة للحكيم "أيسوب" عن أسطورة الثيران والجزّار والتاجر، إذ تقول الأسطورة إن تاجراً ساق بعض الثيران إلى المجزر. ولما اقترب منها الجزّار بسكّينه الحاد، هتف ثور "فلنتكاتف، ولنرفع هذا الجزار على قروننا". فردّت عليه بقية الثيران "وماذا يختلف الجزار عن التاجر الذي ساقنا إلى هنا بهراوته؟". فقال الثور الداعي إلى التكاتف والاصطفاف "سوف نتمكّن من التعامل مع التاجر أيضاً بعد التخلص من الجزار". وكان رد الثيران، مرة أخرى، أن هذا لن يجدي شيئًا، واتهمت صاحب الاقتراح بأنه يحاول توفير غطاء لأعدائها، وأنه نفسه جزّار، ثم رفضت فكرته.
الآن، يقودك حمدين إلى أنْ تُذبح من جديد، على يد الجزار نفسه.