ترامب عربيّاً

10 ابريل 2023
+ الخط -

بعد محاولاتٍ متتاليةٍ لإزاحته من الساحة السياسية بطرق ناعمة، خضع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للمحاكمة في تهم جنائية. ورغم إطلاق سراحه بعد الجلسة، وعدم وضع القيود في يديه في أثناء الجلسة، إلا أن مباشرة محاكمته فعلياً تعدّ نقلة كبيرة في مسار الشدّ والجذب بينه وبين مُطارديه الذين يخشون عودته إلى السباق الانتخابي الأميركي، خصوصا أن قطاعاتٍ واسعةً في المجتمع الأميركي تعتبر ترامب حالة استثنائية دخيلة على العقل الجمعي الأميركي. وبالتوازي مع إخفاق محاولات ثنيه عن الترشّح مجدّداً لمقعد الرئاسة الأميركية في انتخابات 2024، بدا واضحاً أن له شعبية نسبية تُنذر باحتمال دخوله البيت الأبيض مجدّداً حال ترشّحه. 
ولذلك، يبدو أن دوائر أميركية واسعة توافقت على ضرورة منعه من تلك الخطوة قسرياً. وليس أفضل لاستيفاء هذا الغرض من حكمٍ قضائيٍّ لا يملك ترامب ولا جمهوره الشعبوي الوقوف ضده. لذلك جاءت محاكمته على خلفية ملفاتٍ متنوّعة نجح فريق الادّعاء في تجميعها، بمعاونة أعداد من الأميركيين الغيورين على ديمقراطية بلادهم، ويخشون عليها من شعبوية ترامب وأنصاره وعنصريتهم. 
والمثير للتأمل حقاً أن منطق ترامب، وهو يعلّق على محاكمته، يؤكّد هذه المخاوف التي تسود أميركيين كثيرين، فهو لم يردّ، بشكل موضوعي، على أيٍّ من الاتهامات الموجّهة إليه، وفي الوقت نفسه، لم يصمت، ليتولّى محاموه الدفاع عنه وتفنيد الاتهامات قانونياً. فقد اتهمه ممثلو الادّعاء بالعمل على تقويض نزاهة انتخابات عام 2016، وتقديم مبالغ مالية لإسكات سيداتٍ يزعمن أنهن أقمن علاقات جنسية معه. ورغم نفي الرئيس الأميركي السابق هذه الاتهامات، توصّل الادّعاء إلى تفاصيل محدّدة منها رصد ترامب 130 ألف دولار لمنع كشف هذه المعلومات التي ربما كانت ستطيحه من السباق الرئاسي عام 2016.
وبدلاً من الرد على تلك الاتهامات بما يثبت كذبها أو بمعلومات مضادّة، نظّم ترامب حشداً لأنصاره، وراح يخطب فيهم بكلماتٍ حماسيةٍ وشعارات شعبوية، فحاول دغدغة مشاعر أنصاره، بقوله إن الجريمة الوحيدة التي ارتكبها هي "الدفاع بلا خوف عن أمتنا من أولئك الذين يسعون إلى تدميرها". كما لو كان الذين يريدون تجنيب الولايات المتحدة فترة رئاسية أخرى لهذا الدكتاتور المستبد هم الذين سيدمّرون هذا البلد وليس هو. 
لقد تلقّى ترامب في أثناء جلسة محاكمته تحذيراً من القاضي خوان ميرشان، من الإدلاء بتعليقاتٍ من شأنها "تعريض سيادة القانون للخطر" أو إشاعة اضطرابات مدنية، فكان ردّ ترامب أن سخر من المدّعي العام لمقاطعة مانهاتن، بل وانتقد القاضي ميرشان نفسه.
إذا نجح هذا الرجل في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، فربما يفوز ويعود إلى البيت الأبيض رئيساً. وفي هذه الحالة، ستشهد الولايات المتحدة درجاتٍ من الدكتاتورية والتسلط وانتهاك المبادئ والأخلاق، أعلى كثيراً مما شهدت الولاية السابقة له. وإن حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة ستصبح من دول العالم الثالث الاستبدادية إلى عام 2028 على الأقل.
يقدّم ترامب، بهذا المنطق المعكوس وأسلوبه الشعبوي المتدنّي، نموذجاً مشابهاً تماماً لحكام العالم الثالث الذين يرفعون شعاراتٍ وطنيةً فيما يبيعون أوطانهم. ويزعمون النزاهة بينما تاريخهم ملوّث قولاً وفعلاً. ويدعون إلى الحوار والتفاهم تمسّحاً في الديمقراطية، ولا يسمحون بصوتٍ معارض ولا فكر مخالف. وقد حظي ترامب بتأييد (ومساندة) دوائر الحكم في دولٍ لم تحكم نفسها بنفسها قط، لأنه نسخة أميركية من ذلك النموذج المتكرّر في العالم الثالث والمنتشر عربياً، فكانت خسارته الانتخابات الرئاسية فرحة كبرى لشعوب كثيرة، وليس الأميركيين وحدهم، وغادر غير مأسوف عليه، لا أميركياً ولا عربياً.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.