السيسي وإسرائيل: أحلى الأوقات
سامح شكري في "تل أبيب" ليس للوقوف في وجه التوغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية، وإنما على الأرجح للتهنئة والحصول على النسبة المقرّرة من المكاسب، على اعتبار أن إسرائيل عادت إلى أفريقيا، عبر بوابة عبد الفتاح السيسي.
نظرة على بيان الخارجية المصرية بشأن الزيارة، لن تجد فيه كلمة واحدة عن الموضوع الأفريقي، أو سد النهضة الإثيوبي، بل كلاماً مائعاً وفضفاضاً عن فعل قومي فاضح اسمه "عملية السلام"، غير أن هذا لا ينفي أن استدعاء وزير الخارجية المصري إلى إسرائيل، بعد العودة المظفرة لنتنياهو من القارة السمراء، هو مقدمة لجرائم سيسية قادمة، بحق مياه النيل.
لم يعد ثمة رد فعل مصري على العربدة الصهيونية في الأمن القومي المصري، ذلك أن مصر الرسمية صارت جزءاً من الفعل الصهيوني، بوصفها واحدةً من الأدوات المستعملة في تحقق هذا الفعل، سداداً لثمن تمكين هذا "التنظيم" من حكم مصر، وتبنّيه وحمايته وتحصينه بمواجهة العواصف الداخلية والخارجية.
ولذا، تقف الدهشة مندهشةً من أن هناك من لا يزال يندهش لهذه السخونة في العلاقات، بين نظام عبد الفتاح السيسي وحكومة الكيان الصهيوني.
بالفعل، لم يعد هناك شيء يدهش أكثر من ادّعاء الدهشة من هذه الدراما العاطفية الجريئة، ما يجعلك تضطر إلى العودة إلى أصل الحكاية من جديد، وتذكّر الهاربين من الواقع إلى الاندهاش المصطنع بالقصة من البداية.
القصة أن الصهاينة خططوا ونفذوا في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 ثورة مضادة "عظيمة" في مصر، نجحت في هزيمة ثورة 2011 التي حاصر جمهورها مبنى سفارة العدو في القاهرة، واقتحموه وأنزلوا العلم وأحرقوه وطردوا السفير، وأدخلوا العلاقات الرسمية الموروثة ثلاجة الموتى.
لم يعد خافياً على أحد أن الصهاينة لعبوا الدور الأكبر والأهم في وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، وأستطيع أن أعيد عليك عشرات التصريحات الرسمية وغير الرسمية، الصادرة من الكيان الصهيوني التي تؤكد على الحضور الإسرائيلي البارز في انقلاب جنرالهم المفضل على الحكم في مصر. وتكفي، في هذا المضمار، شهادة آفي ديختر عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن العام)، التي وردت في كلمته في احتفال بعيد "الحانوكا اليهودي" ديسمبر/ كانون الأول 2015 معلناً أن إسرائيل أنفقت المليارات، لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين.
هي "أحلى الأوقات" بين السيسي وإسرائيل، أو بتعبير السفير الصهيوني في القاهرة لوكالة أسوشييتد برس الأميركية: "هذا من أفضل أوقات التعاون بين مصر وإسرائيل.. هناك تعاون جيد بين الجيشين، ولدينا تفاهمات حول سيناء".
ليس بالنسبة لإسرائيل فقط، وإنما لكل من له غرض من مصر، إذ يدرك الجميع أنهم بصدد لحظةٍ يستطيعون الحصول فيها على ما يشاؤون من نظامٍ على رأسه ألف بطحة وبطحة، مهيأ، طوال الوقت، للتنازل والتخلي والتفريط عن أي شيء، لقاء اعترافٍ بشرعيته، والتغاضي عن جرائمه ضد الإنسانية.. نظام يبيع الجزر ويقتل البشر ويجفّف النيل ويدمر سيناء ويعادي النوبة ويعيش خارج القانون الدولي، من السهل جداً استخدامه بأقل سعر.
منذ البداية، تأسّس مشروع "السيسي 30 يونية" على عقيدة الابتزاز، ومبدأ تحويل مجرى العداء من الكيان المحتل إلى من يقاومونه أو يدعمون مقاومته.
في الشق الأول، جاء المستثمرون من كل مكان، للتربّح من أكبر سوق للابتزاز عرفها التاريخ، حكومات وأحزاب ورجال أعمال وأفراد فهموا من أين تؤكل الكتف، فلكل شيء ثمن، حتى التخارج من هذه "المؤسسة" بداعي الاستفاقة والندم، بات مدفوعاً.
وفي الثاني، حظيت إسرائيل بمكانة الحليف والصديق والشريك، ووضع الإخوان وحماس وقطر وتركيا في قائمة الأعداء، غير أن كل شيء عند نظام السيسي يتغيّر ويتبدّل ويتحول، باستثناء الارتباط الاستراتيجي مع "إسرائيل" الذي يبقى الثابت الوحيد، لنظامٍ عابث، يلهو بحدودها المائية والبرية، كلما لاحت أمامه فرصةٌ لتثبيت دعائمه فوق أنقاض التاريخ والهوية.
السؤال الآن لجمهور "بقالة 30 يونية" في الداخل: صفّقتم للقتل والظلم والهمجية، بحجة الحفاظ على الدولة وهويتها، ما قولكم الآن في من استلمها مستقرّة الحدود، فغير خرائطها البرية والجغرافية في غضون ثلاثة أعوام؟!
حدّثونا مجدّدا عن الوطنية، وفقاً للمواصفات الصهيونية.