الحوار الشعبي حجر في مياه المعارضة المصرية بالخارج
بدأ قبل أيام الحوار الشعبي بين معارضين مصريين في الخارج والداخل، بالتوازي مع مجريات الحوار الذي دعا عبد الفتاح السيسي إلى تنظيمه أخيراً، وما زال يتباطأ في متاهات الجوانب الإجرائية. وجاءت الدعوة إلى هذا الحوار الشعبي من قيادات معارضة في الخارج، وتحديداً من خلال ممدوح حمزة، ورئيس حزب غد الثورة أيمن نور، والخبير الاقتصادي محمود وهبة، وشاركت فيه قيادات كثيرة في جماعة الإخوان المسلمين. وركّز الحوار على عدة محاور، منها الجوانب، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتناول الملف الثالث التنمية الشاملة والأمن القومي. وبدأ في الأسبوع الأول من أغسطس/ آب الجاري بتنظيم جلسة عامة بعنوان "الإصلاح السياسي وتجديد المشروع الوطني" ثم جلسة استماع عنوانها "مستقبل الحياة السياسية في مصر".
وتعود أهمية هذا الحوار الذي يعد سابقة أولى من نوعها إلى عدة أسباب، أهمها: أنّه يأتي في ظل إحباط يعيشه المصريون المعارضون في الخارج، وهم الذين خرجوا بسبب مواقفهم السياسية ومعارضتهم نظام السيسي بعد عام 2013، ثم لحقهم أفراد آخرون. وفي ظل انشغال كثيرين منهم بترتيب أوضاعهم المعيشية في بيئة اقتصادية وقانونية غير مواتية، ومحدودية فرص العمل المتاحة لهم، ما تسبب في أزماتٍ ماديةٍ كثيرة، وفي ظل انشغال مصريين آخرين كثيرين في "البيزنس التجاري"، أو ممن كانوا معارضين ثم قرّروا التركيز في أعمالهم الخاصة، وابتعدوا عن أي نشاط عام.
ويأتي هذا الحوار أيضاً في ظل مشاهد أخرى أهمها: تغير الوضع السياسي والإقليمي لصالح تقوية سلطة السيسي بشكل أكبر، ومحدودية الضغوط التي تمارس عليه من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وتزايد السخط الشعبي في الداخل بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية.
تجارب سابقة شملت عناصر المعارضة في الخارج، لم تثبت فعالية كبيرة ولم تستطع الوحدة وراء مبادرة سياسية متواصلة
ـ تغير الخريطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما انعكس على تحسّن العلاقات بين الإدارة المصرية وقطر وتركيا في ظل ترتيب جديد للأوضاع الإقليمية الجديدة، ومحاولة كلّ طرف تقليل خسائره وتعظيم مكاسبه السياسية والاقتصادية، وهو ما أدّى إلى ضغوط كثيرة على المعارضة المصرية في الخارج.
ـ تزايد الانقسام داخل جماعة الإخوان المسلمين، بين مجموعتي إبراهيم منير ومحمود حسين، ووصول الصراع بينهما إلى صدور بيانات تراشق من الجانبين، وعزل متبادل من المناصب القيادية في الجماعة وإنشاء مكاتب تنفيذية موازية. يتوازى ذلك مع تزايد انتقادات شباب في الجماعة بسبب عدم المساعدة في توفير فرص عمل مناسبة ومقبولة مادياً، تكفل لهم الحياة الكريمة لهم ولأسرهم. إلى جانب عدم حدوث اختراق لملف المعتقلين السياسيين في مصر.
ـ خفوت الصوت السياسي لمعارضة الخارج منذ سنوات، باستثناء الأداء الإعلامي القوى لقنوات الشرق ووطن ومكملين. ورغم إنشاء بعض التشكيلات، ومنها اتحاد القوى الوطنية في الخارج، إلّا أنّ هناك تجارب سابقة شملت عناصر المعارضة في الخارج، لم تثبت فعالية كبيرة ولم تستطع الوحدة وراء مبادرة سياسية متواصلة، وضعفت أنشطتها بالتدريج.
ورغم أنّ هذا الحوار جاء في إطار رد فعل على دعوة الرئاسة المصرية، والتي استبعد منها المصريون المعارضون في الخارج، سواء جماعة الإخوان وأيمن نور وممدوح حمزة وآخرين، ولم يشارك فيها سوى مؤسّس حزب مصر الحرية، عمرو حمزاوي، بعد عودته من الخارج وإعلانه المشاركة في الحوار، إلا أن ما يثار أخيراً عن خروج المعارض رئيس حزب الكرامة "المستقيل"، أحمد طنطاوي، من مصر، وتهديده بالسجن، بسبب آرائه المعارضة للنظام السياسي وكتاباته الأخيرة، يضع علامات استفهام على الموقف الرسمي من المصريين في الخارج، وسوء التعامل معهم، من سفاراتهم وقنصلياتهم منذ عام 2014. وامتدّ هذا الموقف إلى المواطنين المقيمين الذين لا يعلنون أي آراء سياسية بعدم القيام بأي دور بالدفاع عنهم في حالة وقوعهم في مشكلات قانونية، ورفض تجديد جوازات السفر الخاصة بهم.
هناك إمكانية تقدم الحوار الذي لا يزال في بداياته، من تبنّيه عدة مبادئ، تفوق فيها على الحوار الرسمي في الداخل
وقد أعطى تصور الحوار وأجندته وتعدّد المشاركين فيه من منابع سياسية وعمرية وفكرية مختلفة أهمية لهذا الحوار الذي يمارسه مصريون كثيرون معارضون في الخارج، كما كان لتقسيم العمل فيه نقطة إيجابية في الإعداد لفعالياته في أكثر من دولة. ومن جانب آخر، هناك إمكانية تقدم هذا الحوار الذي لا يزال في بداياته، من تبنّيه عدة مبادئ، تفوق فيها على الحوار الرسمي في الداخل أهمها أن المشاركة فيه متاحة للجميع من دون استثناء، فلم يُستبعد أحد بسبب انتمائه السياسي، ولم تحظر موضوعات معينة من المناقشة والحوار، فكل الموضوعات متاحة للحوار. كذلك تتعدّد الموضوعات الخاصة بالحوار، حيث ناقش الجزء الأول من الحوار موضوعات مهمة في بعديها السياسي والحقوقي، منها "الإصلاح الدستوري، حالة الاعلام، المجتمع المدني، حقوق الإنسان وحالة المعتقلين، المصالحة المجتمعية والعدالة الانتقالية، الشباب، التعليم، الصحة ملف سيناء والنوبة، وضعية العمال، المرأة". وحرصت أمانة الحوار على كتابة مقدّمي الجلسات أوراقاً سياسية وبحثية في الموضوعات التي سيتعرّضون لمناقشتها، وتفادي كل التعقيدات الإجرائية، بعكس حوار الداخل.
واستطاع الحوار، رغم بعد المسافات وصعوبة التجمّع في لقاء مفتوح، والتحفظات السياسية من بعض بلدان المهجر، تجاوز هذه العقبات، باستغلال إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام برنامج "zoom" في عقد اللقاءات بالفيديو والصوت، وكأن الجميع معاً في قاعة واحدة. وقد شارك مصريون كثيرون في الداخل في جلسات الحوار، ولم يمثّل لهم الحضور مخاوف أمنية أو غيرها، في إطار ممارسة الحق في حرية التعبير، ما أكّد أن هذه اللقاءات تمثل المصريين، أياً كانت أمكنة إقاماتهم، فمصر وأزماتها ومشكلاتها تحتاج الجميع من دون إقصاء. ويمكن أن يبطل هذا الحوار دعاوى تقسيم المصريين بين الخارج والداخل والوقيعة بينهما، ويُبطل الحجج الحكومية بتشويه الخارج، ويؤكد أيضاً قدرتهم للقيام بدورهم، بغض النظر عن مكان وجودهم. بالعكس، يعطيهم وجودهم في الخارج إمكانات الحديث والنقد من دون خشية من اعتقال أو تنكيل.
يُراد للحوار الوطني أن يبقى "محلّك سر" فترات طويلة من دون بدء حوار حقيقي
في النهاية، هناك مخاوف من أن ينتهي هذا الحوار الشعبي إلى محاولة استغلاله أو بروز الخلافات بين الداعين إليه، وبالتالي، لا يستمرّ وفقاً للمنهج الذي أجري به، والذي يمثّل نموذجاً نأمل في استمراره. ومع ذلك، تفيد مؤشرات بأنه لو استغلت فعاليات هذا الحوار ومخرجاته، في الضغط على النظام السياسي المصري، بمشاركة أحزاب التحالف الديمقراطي في الداخل، لتحقيق تنازلات سياسية حقيقية، في وقتٍ يتعثر فيه الحوار الوطني، ويُراد له أن يبقى "محلّك سر" فترات طويلة من دون بدء حوار حقيقي، في ظل الاجتماعات الشهرية المتباعدة لمجلس أمناء الحوار ولائحته التي تعطي صلاحيات ضخمة لمنسّقه على حساب أعضاء المجلس والمشاركين في الحوار المستقبلي نفسه، بدعوى خروجهم على ضوابط الحوار.
في هذا السياق، يمكن أن يمثل الحوار الشعبي حجراً يُلقى في مياه المصريين في الخارج، ويعطي نموذجاً للحوار المزمع بدؤه في الداخل، ويستطيع الجميع البناء عليه، للوصول إلى أهدافهم. ويمكن أن يمثل خطوة لتوحيد جهود المصريين في الخارج في العمل المنظّم باتجاه معركة التغيير في الداخل.