الحرية المستوردة من واشنطن
قد تنال بعض الأسماء المشهورة حرياتها المستحقة وتغادر الزنازين خلال أيام، ومعها مجموعة من الأسماء العادية، لزوم تحسين الصورة، وذرّا لقليل جدًا من الرماد في كثير للغاية من العيون التي تبكي منذ سنوات وضعًا إنسانيًا مدمرًا.
وقد لا يحدُث شيءٌ من ذلك، ويواصل النظام المصري المضاربة بالحقوق والحريات في بورصة صفقات السياسة الدولية، ويبقي على الأبرياء الرهائن في ظلام سجونه، انتظارًا لأثمانٍ أعلى قد تُقدم على دفعها الجهات المتحكّمة في مفاصل القرار السياسي للنظام.
في كل الأحوال، تبقى مسألة الحرية في مصر بعهدة واشنطن، يدور بها مجموعة من السماسرة يدّعون الاستقلالية، يقفون على أبواب المجتمع الدولي، مكلّفين بالطبع من نظامٍ عُرف عنه أن يمنع الجنين في بطن أمه من السفر، إن أراد، حتى لو كانت هذه الأم حاملة الجنسية الأميركية.
من هنا، يبدو من مساخر الحالة السياسية المصرية أن يدّعي منظم الرحلة الحقوقية الأحدث إلى الولايات المتحدة، رجل الأعمال محمد عصمت السادات، أن رحلته ووفده الذي يضم السفيرة السابقة، مشيرة خطّاب، التي كانت مرشّحة نظام الجنرال لرئاسة اليونسكو، أن يدّعي أن الرحلة تمت من دون استئذان النظام، بل ويمكن القول بتكليفٍ منه.
محمد السادات، ابن عصمت السادات، كان حتى أشهر قليلة مضت من المنبوذين المطرودين من جنّة نظام الثلاثين من يونيو، حيث أسقط ما يوصف بأنه برلمان عضويته في العام 2017، وجرّده من رئاسة لجنة حقوق الإنسان فيه، ثم فيما قيل عنها انتخابات نيابية في 2020 أقرّ القضاء الإداري استبعاد اسمه من كشوف الانتخاب والترشّح، وكان من الممكن أن يكون على لوائح المنع من السفر، لولا أن النظام كان يدّخره لمهام ما، يتم استدعاؤه لها.
يعرف رجل الأعمال والتاجر الشاطر، محمد عصمت السادات، الذي وصفت محكمة القيم المصرية عائلته بأنها مارست أعمال المافيا ضد الشعب، وذلك في الجلسة المنعقدة علناً بمقر دار القضاء العالي بمدينة القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت خفاجي، نائب رئيس محكمة النقض في يوم السبت 12 فبراير/ شباط سنة 1983 .. يعرف باليقين أنه ليس بمقدور أحد من السياسيين والحقوقيين المصريين طرق أبواب واشنطن، والتباحث مع جهاتٍ فيها بأمور سياسية وحقوقية، من دون ضوء أخضر من السلطة، وبإيعاز منها، ومن يفعل ذلك على غير رغبتها يجد نفسه مرجومًا ملعونًا مطعونًا في شرفه الشخصي، وانتمائه الوطني بواسطة الإعلام والبرلمان، ليل نهار، وإنْ عاد من رحلته فوجهته المؤكّدة هي معتقل طرة.
على ضوء ذلك كله، يصبح منتهى الاستخفاف بالعقول أن يقول السادات لموقع "مدى مصر" إن الزيارة جاءت بمبادرة شخصية من أعضاء المجموعة من دون تنسيق مع السفارة المصرية في العاصمة الأميركية في ترتيب أو تنظيم أو حضور أي من اللقاءات التي أجراها أعضاء المجموعة في واشنطن.
الشاهد، إذن، أنها مهمة رسمية، ينفذها أشخاصٌ شبه رسميين، كون الوفد مشكلًا من قيادات حزب "مستقبل وطن" الذي يلعب الأدوار ذاتها التي كانت تقوم بها مجموعة جمال مبارك في الحزب الوطني، الحاكم قبل 2011، وأن الهدف الأساس منها، على عكس ما يزعم السادات، هو إحداث ثغرة في الجدار السميك الذي يمنع السيسي من لقاء الرئيس الأميركي والتقاط صورة معه، تصلح للاستعمال في التهام مزيد من الحريات العامة ومصادرة مساحات إضافية من الممارسة الديمقراطية.
يبشّر السادات بما أسماها "انفراجة سياسية" سوف تشهدها القاهرة الأسبوع المقبل، ارتباطًا بنتائج زيارته التي عاد منها محمّلًا برسائل أميركية بعلم الوصول للمسؤولين في مصر، تتعلق بالمساعدة العسكرية، المعلقة، لكبار القيادات المصرية، وإمكانية موافقة بايدن على مقابلة عبد الفتاح السيسي في مدينة غلاسكو الاسكتلندية على هامش اجتماعات خاصة بالمناخ نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
الرجل عائد إذن بمكونات صفقة لمصلحة النظام المصري تقوم على: فتح نسبي للمجال العام وحلحلة ملف بعض المحبوسين، مقابل الإفراج عن النسبة المتبقية من معونة الجنرالات وإمكانية التقاط صورة مع الرئيس الأميركي.
في المجمل، هذه عملية تصدير واستيراد نموذجية، ينفّذها وسيط وسمسار شاطر، لمصلحة نظامٍ لم يعد قادرًا على إقناع العالم عبر الوسائل الدبلوماسية التقليدية، فقرّر اللجوء لوكلاء شركات التسويق والعلاقات العامة، الدولية، ومن يصلح لهذا الدور أكثر من شخصٍ اسمه الأخير السادات؟