البرادعي هدفاً لدواعش السيسي
هل كان من الممكن أن تمتد يد غبية، لحذف اسم محمد البرادعي من مناهج التعليم، بوصفه حاملاً لجائزة نوبل، لولا أن أصحابها واثقون من أن هذا الإجراء الغشيم سيرضي عبد الفتاح السيسي ويسعده؟
هل كان يمكن أن يحدث ذلك، لو أن مسؤولا في التعليم استشعر أن مثل هذه "المبادرة الوطنية" ستغضب النظام، أو تدفعه إلى الخجل من تصرفات حمقاء، تنتمي بالكلية إلى زمن العصور الوسطى ومحاكم التفتيش؟
الأقبح من إقدام وزارة التربية والتعليم على تجريد محمد البرادعي من جائزة نوبل أمام طلاب المرحلة الابتدائية، هي التبريرات التي ساقها المسؤولون في الوزارة لهذا الإجراء، لكن الأكثر قبحاً هو الصمت الرسمي من النظام على ما جرى، تحقيقا للمثل القائل "السكوت علامة الرضى"، غير أن الأشد قبحاً أن الموضوع لم يلفت نظر أحد من أعضاء "منتخب المثقفين" الذي دعاه عبد الفتاح السيسي للقائه أمس، فلم نسمع أن أحداً منهم أثار القضية، أو وجّه سؤالاً على استحياء، بشأن الواقعة التي يندى لها جبين الثقافة والعلم والأدب.
كان من الممكن أن يخرج وزير التعليم ليقول إنه تصرف غبي من موظف أخرق، أو أن تحذف الوزارة الموضوع كله، بجميع شخصياته، السادات ونجيب محفوظ وأحمد زويل، من المنهج.. أو حتى تمارس الوزارة الاستعباط، وتصدر بياناً تنفي فيه حذف اسم البرادعي من مناهج التعليم، لأنه لا يوجد عندنا تعليم من الأصل، كما كان يفعل وزراء داخلية المجلس العسكري، حين يقتلون الثوار بأسلوب القنص، ثم يقسم الوزير برأس جده "ما عندناش قنّاصة"، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، لأن الوزارة تبدو فخورةً بإنجازها التاريخي لخدمة مصر، وتطهيرها من "الخونة اللي زعلوها"، وهي، في هذا التصرف، لا فرق بينها وبين ذلك المواطن الذي كذب وشهد زوراً في قضية جوليو ريجيني، حباً في الوطن ومساعدة للبلد، أو ذلك "المواطن الشريف" الذي يثرثر بأن الرواية الأمنية تقول إن جوليو قُتل بسبب علاقات نسائية، أو "المواطن الأشرف منه" الذي انفرد بالحصول على مكالمةٍ أخيرةٍ بين الشاب الإيطالي ووالدته يقول فيها إنه ذاهب لمقابلة الإخوان المسلمين.
في المقابل، تبدو ردود أفعال بعض المختلفين مع البرادعي باعثةً على اليأس والأسى، إذ يبدو بعضهم مرحباً بالجريمة، لأن البرادعي، من وجهة نظره، شارك في "تلاتين ستة"، وارتضى أن يكون جزءاً من نظام السيسي، وهذا منطق لا يختلف عن ما يسوقه أوغاد الوطنية الفاسدة من جمهور الاستبداد، تسويغاً لجريمة علمية وفضيحة تاريخية، لا تقل فداحةً عن جريمة مصادرة وحرق كتب ابن تيمية وسيد قطب والقرضاوي، وغيرهم من الدعاة والفقهاء الذين لا تحبهم سلطات الانقلاب الفاشي.
يمكنك أن تختلف مع البرادعي إلى آخر مدى، وتدينه وتجرّمه، إن أردت، في مواقف عديدة، غير أن هذا كله لا يصلح مبرراً لاعتداءٍ صارخ على الحقيقة، وعلى الوقائع المادية الملموسة التي تقول إن لجنة جائزة نوبل أعلنت، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2005، منح جائزة المصري محمد البرادعي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والوكالة، جائزة نوبل للسلام، تكريماً لجهودهما في مجال مكافحة انتشار الأسلحة النووية.
هذه حقيقة "fact" مثل قولك إن ألمانيا حصلت على كأس العالم أربع مرات، حتى لو كنت من كارهي ألمانيا ومشجعي البرازيل، أو أن روجر فيدرر، من واقع الأرقام، هو أعظم لاعبي التنس في العالم، حتى لو كنت لا تطيقه، وتفضل لاعباً آخر.. المسألة هنا لا علاقة لها بموقفك من محمد البرادعي، وإنما تتعلق باحترامك الحقيقة والعقل والإنصاف.
حرق اسم الدكتور البرادعي في كتاب التاريخ، لا يختلف عن حرق منازل المعتقلين المعارضين للانقلاب في قرية البصارطة في محافظة دمياط، هذا سلوك يليق بنظام يحكم بعقلية مليشيا، تتصرّف مثل عصابات الاحتلال التي لا تترك وسيلةً لحرق حقائق التاريخ والجغرافيا، إلا وتستعملها، في محاولة لتثبيت واقعٍ جديد، جاء عن طريق الجريمة المنظمة، ويسعى بكل الجهد إلى إلغاء ما سبقه، خصوصا لو كان هذا الـ"ما سبق" يشكل تهديدا لفرص بقائه وتمدده.
هو سلوك "داعشي" بامتياز، لا يختلف عما تتناقله الألسنة عن ممارسات أمراء التنظيم في العراق، من تحطيم التماثيل وهدم الآثار وحرق التاريخ المنقوش على جدران المعابد، وتدمير الجغرافيا والبيئة، انطلاقاً من استحلال كل شيء، ما دام يساعد في فرض وجودهم، وتثبيت الواقع الذي يريدون.