البحث عن حراسة عربية لتأمين الاحتلال
أنت بصدد كيان استعماري مزروع منذ أقل من قرن واحد في أراضٍ محتلةٍ بالقوة بمؤامرةٍ نفّذها أشرار العالم، لكن هذا الكيان اللقيط يعتبر أنه محور الكون، وأن الحياة لم تبدأ إلا به، ومن ثم يرى نفسَه أكبر من الأمم المتحدة ومنظّماتها التابعة، وفوق المحاسبة، وأهم من محكمة العدل الدولية وفوق القانون الدولي.
هذا العار الحضاري الذي تشارَك في تصنيعه أوغادُ الاستعمار القديم يلوك كلمة "العار" برقاعة غانية ترى نفسَها معيار الشرف، فإن تحدّث الأمين العام للأمم المتحدة بمقتضى القانون الدولي معرّفاً الاحتلال بالاحتلال، فهذا عارٌ بنظر نتنياهو وعصابته، وإن قرّرت محكمة العدل الدولية تدابير وإجراءات ضد جرائمه ضد الفلسطينيين في غزّة، فهذا عارٌ أكبر، وإن اعترضت "أونروا" على استهداف المدنيين الذين يهربون من الموت في مقارّها، فهذا عارٌ إضافي ... باختصار، الكلّ عار إلا هذه الكيان الذي هو حصيلة العار الاستعماري القديم.
كل الأطراف تخضَع لابتزاز حكومة هذا العار الموروث، وتسلك بوصفه طفل الخطيئة التاريخية المدلّل، وإذا كان هذا مفهوماً من الدول التي أنشأته على هذه الأرض، لكي تتخلّص مما كانت تعتبره تلويثاً لنقائها العرقي المزعوم، عن طريق المحرقة، فإنه ليس مفهوماً أو متصوّراً على الإطلاق من أنظمة عربية بينها وبين هذا الاحتلال حروبٌ ودماءُ شهداء وأرضٌ مغتصبة. وبالتالي، تبدو غريبةً هذه الحالة من اللهاث خلفه بالمبادرات والصفقات والمقترحات التي هي، في كل الأحوال، إقرار بحقّه في الإجرام ضد أصحاب الأرض، كونها لا تطلب منه أكثر من أن يوقف المذابح، بشكل مؤقت، لكي يستردّ أسراه، لقاء الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وبعدها سوف يستأنف العدوان على غزة بالتأكيد.
في زحام المبادرات والصفقات والمقترحات التي تتكدّس على الطرق الدبلوماسية في اللحظة الراهنة تأتي مبادرة، أو خطة من بريطانيا، الأب الروحي لهذا الاحتلال، تقول صحيفة "فاينانشال تايمز" إنها تتكون من خمس نقاط ناقشها وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون مع الإسرائيليين والفلسطينيين خلال جولة في المنطقة هذا الأسبوع، تدعو إلى "وقف فوري للأعمال العدائية" ووفق مسؤول بريطاني كبير، فإنه بموجب هذه المبادرة، سيتعيّن على حركة حماس إطلاق سراح جميع المحتجزين، والالتزام بوقف الهجمات ضد إسرائيل، وهو ما ستضمنُه دول المنطقة، كما تشمل المبادرة مقترحاً بمغادرة كبار قادة الحركة، بمن فيهم قائدها في غزة يحيى السنوار، القطاع نحو دولة أخرى، وهذا مطلب متكرّر من حكومة الكيان الصهيوني، كما نقلت شبكة سي أن أن عن مصدرين مطلعين، قالا إن مقترح السماح لقادة "حماس" بمغادرة غزّة نوقش مرتين على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة، خلال محادثات أوسع تشمل وقف إطلاق النار.
إذن، المطلوب، بحسب المبادرة البريطانية، حراسة عربية لتأمين الاحتلال، إذ لا معنى لالتزام دول المنطقة بمنع مهاجمة الكيان الصهيوني سوى تجريم مبدأ مقاومة الاحتلال، وهو ما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها، كما يتناقض مع كل حقائق التاريخ التي تقول إنه حيثما وجد الاحتلال وجدت المقاومة حقاً أصيلاً ومشروعًا للشعوب التي اغتصبت أراضيها وانتهكت كرامتها ومقدّساتها وأريقت دماؤها.
سيكون عاراً أكبر من عار الاحتلال نفسه، إذا ارتضى نظام عربي إسقاط حق الشعب الفلسطيني في التحرّر وترحيل المقاومين إلى دولة عربية، وهو ما يعني إعدام المقاومة، ثم تعيين حارس عربي يسهر على أمن الاحتلال ورفاهته.
لا يليق بأمة عربية تعدادها أكثر من 430 مليون نسمة أن يكون أقصى ما يمكن أن تُنجزه بمواجهة الاحتلال أن رئيس أكبر دولة فيها لم يرد على مكالمة رئيس حكومة احتلال، هو مجرم حرب بنظر القانون الدولي، ومن العار أن يبقى سفيرٌ عربيٌّ واحدٌ داخل إسرائيل، وأن يكون لها سفراء في عواصم العرب.
صمود الشعب الفلسطيني وبسالة المقاومة، بالإضافة إلى نتنياهو بوقاحته وسفالته، كلها عناصر تشكل فرصة ذهبية لمن أراد أن يتطهر من الأنظمة العربية الملوّثة بكل عوادم التطبيع والتبعية.
استمعوا إلى شعوبكم مرة واحدة.