الأردن وروسيا والملف السوري

25 أكتوبر 2015

موقف الأردن من سورية يصدر عن حسابات براغماتية (11مارس/2010/Getty)

+ الخط -
لفت الانتباه الاجتماع الذي جمع، يوم الجمعة الماضي، في فيينا، وزير خارجية الأردن، ناصر جودة، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، لأنه لم يكن محض مصادفة أو لقاء مجاملة وأنس عابر، وسط ما شهدته العاصمة النمساوية على مدار يومين من مباحثات حول الملف السوري بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا. والأمر المثير أن الطرفين، الأردني والروسي، لم يتأخرا عن الكشف أن هدف اللقاء "تنسيق عسكري ‏بين البلدين بشأن الأزمة السورية"، وأنه يأتي بعد يومين من اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ‏بالملك عبد الله الثاني، بحثا فيه التطورات السورية. وكان الوزيران الروسي والأردني على قدر كبير من الصراحة، حين وضعا النقاط على الحروف، وقال لافروف "إن العسكريين ‏في روسيا والأردن اتفقوا على التنسيق في محاربة الإرهاب، عبر آلية يتم إنشاؤها في عمان"، فيما عبّر جودة عن أمله في "أن تكون ‏آلية التنسيق بين الجيشين الأردني والروسي فعالة ضد الإرهابيين بألوانهم كافة".‏
من الناحية المباشرة، لم تكن للأردن صلة بمفاوضات فيينا التي قصدها الوزير جودة لإجراء سلسلة من اللقاءات الثنائية مع نظرائه وزراء خارجية الدول الأربع الذين اجتمعوا من أجل إيجاد حل لعقدة الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي زار موسكو قبل ذلك بيومين، الأمر الذي أكسب الاجتماع الرباعي أهمية استثنائية. ومن متابعة كواليس فيينا، يمكن الجزم بأن ما عاد به الوزير الأردني من هناك يقتصر على تفاهم مع نظيره الروسي، يتعلق بوضع الجبهة الجنوبية السورية التي بات الأردن يتحكم فيها. وهذا ما عكسه تعليق الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في بيان رسمي جاء فيه "إن آلية التنسيق العسكري بين الأردن وروسيا تأتي بشأن الأوضاع في جنوب سورية، وبما يضمن أمن حدود المملكة الشمالية، واستقرار الأوضاع في الجنوب السوري". وأفاد المومني بأن التعاون بين بلاده وروسيا قديم، ويحدث على كل الصعد، مؤكداً أن الأردن ما زال جزءاً من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، قاصداً التحالف الذي تقوده أميركا ضد "داعش".
يبدو التأكيد على أن الأردن لا يزال جزءاً من التحالف الأميركي ضد "داعش"، من قبيل قطع الطريق على رمي عمان بتهمة الانتقال إلى صف موسكو في الملف السوري، ما يضعها على خلاف مع السعودية والولايات المتحدة اللتين تتمسكان بمقاربة مختلفة عن روسيا في معالجة الوضع السوري. وفي الأحوال كافة، لا يمكن فصل الخطوة الأردنية عن قضيتين هامتين. الأولى، تجميد الجبهة الجنوبية السورية منذ عدة أشهر، فبعد أن علت أصوات الفصائل الموجودة في درعا من أجل تحرير المدينة، والاتجاه نحو السويداء التي صارت ساقطة حكماً، بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس الشهر الماضي، توقف الهجوم فجأة، ولم يعد أحد يتحدث عن الجبهة الجنوبية التي كان قادتها يضعون دمشق هدفاً أساسيا لهم. وفسر قادة من الائتلاف السوري الأمر بأن السلطات الأردنية أوقفت كل خطط المعارضة السورية المسلحة، وذلك ليس لحسابات أردنية بحتة، بل إقليمية أيضا، تتأثر، في صورة أساسية، بالمواقف الإسرائيلية، وهذا ما يقود حكما إلى القضية الثانية، ذلك أن التفاهم الروسي الإسرائيلي حول مآلات الوضع السوري فتح للأردن طريقاً نحو تنسيق وتعاون بين عمّان وموسكو.
وإذا كان موقف الأردن ينبع من حسابات براغماتية بحتة، فالجدير بالاهتمام هو مسارعة موسكو لكسب عمّان إلى صفها، وهذا يعني، من الناحية المبدئية، تجميد الجبهة الجنوبية السورية، ومن غير المستبعد أن يتم ترشيح هذه الجبهة من أجل أن تكون فاتحة تهدئة مع نظام بشار الأسد، برعاية روسية.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر