إليسّا: الفنّ والسياسة خطّ واحد

16 اغسطس 2014
إليسّا لمن لا يعرفها متعصّبة جداً للبنانيّتها
+ الخط -
منذ بداياتها كانت إليسّا شغوفة جداً بأعمالها الفنية. الطفلة، التي وُلِدَت في بلدة دير الأحمر البقاعية، تأثّرت كثيراً بوالدها الشاعر زكريا خوري، ووالدتها السورية يمنى سعود، وحملت إلى ذلك ثقافتين.

لكن إليسّا التي عاشت الحرب الأهلية اللبنانية بتفاصيلها، دخلت زواريب سياسية غلب عليها الجوّ السياسي لبلدة دير الأحمر، التي كانت في أحضان "القوات اللبنانية". ومثل لبنانيين كثيرين خلال الحرب الاهلية، ممن كانت الحرب تحاصرهم، دغدغ مشاعرها حلم النجومية، مثل أيّة فتاة تحلم بالهروب من الملجأ المعتم إلى الأضواء.

الفنانة التي اختارت عالم الفنّ بإرادتها الكاملة عاشت في بيروت، وحضّرت نفسها بعد تخرّجها من المدرسة كي تدخل عالم الفنّ والغناء. يومها اختارت المسرحي الراحل وسيم طبّارة، الذي كان واحداً من روّاد مسرح "الشونسونيه" الغنائي النقدي الساخر. وتابعت من خلاله خطواتها الأولى نحو عالم الفنّ والغناء.

لم تكن إليسّا من عائلة ميسورة الحال ماديّاً، لكنّها كانت فتاة مدبّرة جداً، تدرك تماماً كيفية جني المال، ولو القليل منه، لتأمين استقلاليتها الماديّة. ومن خلال أعمالها حاولت أن تطوّر نفسها وعلاقاتها بالمحيطين بها، كي تستطيع إكمال مسيرة الحلم الذي راودها، هذا الذي ما زالت حتّى اليوم شغوفة به.

تعرّفت إليسّا في أواخر التسعينيات على المنتج المنفذ، جان صليبا. واستطاعت من خلاله العبور إلى ضفّة الغناء. لم يكن صوتها "طربيّاً" بالمعنى الكبير للكلمة. على العكس تماماً، كانت إمكانياتها الصوتية متواضعة، لكنّ جان صليبا اكتشف فيها كثيراً، وحاول وضعها على الطريق السليم فنيّاً، عبر ألبوم "بدّي دوب"، الذي تألّف من موسيقى تركية وبعض الألحان اللبنانية.

يومها فتح صليبا وإليسّا الباب على الألحان التركية واستطاعا، وقتاً طويلاً، أن يفرضا استنساخ الألحان التركية على نجوم كبار في الغناء. لكن إليسّا ظلت تبحث عن شيء "أكبر"، كي تبرز من خلاله صوتها وموهبتها. فهي كانت مؤمنة بنفسها وبأنّها فنانة ومغنية تستحق أن تنال فرصتها في عالم الغناء، وأن تصبح واحدة من نجمات الصفّ الأوّل.

وكان أن التقت إليسّا الفنان راغب علامة. وقرّر النجمان عملاً مشتركاً، هو "ديّو" أغنية "بتغيب بتروح" في عام 1999. يومها ظهرت بثوب مغاير عن أعمالها السابقة. إذ اقترنت صورتها بنجم تلك المرحلة بامتياز، راغب علامة، الذي حملها إلى عالمه الخاصّ ومحيطه الجماهيري، فنجح التعاون بينهما.

بعدها بقليل دخلت عالم "روتانا"، وحُظِيَت إليسّا بحقّها كواحدة من أفضل نجمات عصرها. إذ كانت ألبوماتها الغنائية، وما زالت حتّى اليوم، تحقّق أعلى نسبة مبيعات. ورغم الشكوك التي ساورت جائزة الموسيقى العالمية إلا أنّ إليسّا استحقّتها عن جدارة ثلاث مرّات متتالية عن ثلاثة أعمال غنائية قدّمتها بين أعوام 2007 و2011. واستطاعت أن تثبّت نفسها كواحدة من أشهر مطربات العصر الحالي.

هذا النجاح الكبير دفع "روتانا" في المقابل إلى تقديم كلّ التنازلات والتسهيلات لإليسّا، ما تسبّب للشركة في مشكلات مع مغنيات أخريات كنّ دخلنَ إلى الشركة في التوقيت نفسه، لكن لم يتقدّمن بالقدر الذي اشتغلت عليه إليسّا، ولم يصلنَ إلى ما وصلت إليه، وما هي عليه الآن.

ويعرف كثيرون أنّ ثمّة تخاطب وتفاهم علنيّ بين إليسّا ومستشارين كثيرين في روتانا وخارجها. تفاهم مبنيّ على اختيار متقن لأعمال إليسّا الفنية، إن الأغنيات أو الحفلات، وحتّى الإعلانات، التي شكّلت بالنسبة لها بعداً ترويجيا آخر يوازي ثقل عالم الغناء الذي يهمّها في الدرجة الأولى.

وأصبحت في مرحلة تختار ما تريد، وترفض ما تراه غير مناسب لها من أعمال فنية، وحفلات، وحتّى جوائز. فهي رفضت أخيراً عرض جائزة الموسيقى العالمية بعد فوزها بها ثلاث مرّات. ونأت بنفسها بعدما قُسِّمَت الجائزة إلى فئات. فابتعدت باحثة عن الفرادة، كما هو الحال في أغنيات تختارها فترة قد تطول أكثر من ثلاث سنوات، وتضعها على نار خفيفة لتظفر بالنجاح، كما حصل في آخر ألبوماتها "حالة حبّ"، الذي أعادها إلى المراتب الأولى من حيث المبيعات.

إليسّا والسياسة

تجاهر النجمة إليسّا بولعها بسياسة "القوات اللبنانية". ذاك الحزب الذي يشكّل مصدر انقسام بين اللبنانيين لجهة المدافعين عن رئيسه سمير جعجع، والمؤيّدين له. ولا يخفى على أحد أنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين عانى ما عاناه من "القوات" خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. لكنّ إليسّا، التي تعترف بولائها وحبّها لجعجع، تبرّر تأييده بأنّه "لو كان متّهما بجرائم حرب فقد قضى ما يكفي من عقوبة في السجن". وتؤمن بسياسة "عفا الله عمّا سلف".

وفي رأيها أنّ "سمير جعجع لا يختلف عن الزعماء اللبنانيين الذين عاثوا فساداً في فترة الحرب أيضاً، لكن هؤلاء دخلوا السلطة السياسية من باب المؤسسات، فيما كان سمير جعجع رافضاً هذه التسوية، ما جعله يغرّد وحيداً أو يدفع ثمن مواقفه".

إليسّا، لمن لا يعرفها، متعصّبة جداً للبنانيتها، وتناصر الثورة السورية، ودفعت ثمناً باهظاً بمنعها من دخول سورية، ووقف بثّ أغنياتها في وسائل الإعلام السوري، لكنّها تشدّد على أنّها مزيج من بلدين متجاورين. إذ أنّ والدتها سورية، وبذلك تعتبر أنّ لها الحقّ في معارضة النظام السوري. كما أنّها تعتبر حقّاً طبيعيّاً لها أن تعلن موقفها السياسي من موقعها كفنانة. لكن في المقابل يُؤخَذ عليها أنّها بنت شهرتها ومجدها الفني من حفلات كانت تحييها في سورية طوال بداياتها الفنية.

لكنّها أصبحت نجمة أولى حاليّاً، ولم تعد في حاجة إلى دعم من أحد. فهي استقلّت ونجحت ولا داعي للتذكير دائما بأصحاب الفضل عليها. فهي تعتبر نفسها مجتهدة جداً... هذه الصراحة والتشدّد في المواقف السياسية جعلا إليسّا محطّ نزاع ونقد لاذع بين جمهور ينقسم حولها ويحاسبها على مواقفها السياسية أكثر مما يحاسبها على أغنياتها التي تجمع بدلاً من أن تفرّق. ولو لم يعترف كثيرون بذلك. وكثيرون ممن يعارضون مواقفها السياسية يردّدون أغنياتها عن ظهر قلب.

لكن ألم يكن أجدى بإليسّا أن تنأى بنفسها عن سجالات السياسة؟

ربما يكون الجواب الأفضل هو نعم، كان أفضل ألا تنغمس في السياسة، لكنّها في المقابل تريد أن تظهر بصورة شفّافة. فهي في النهاية إنسانة وتؤيّد احترام الرأي والرأي الآخر، كما تقول. 

المساهمون