الإعلام التركي ينقسم حول الاعتداءات العنصرية

09 يوليو 2024
من احتجاج على الاعتداءات التركية ضد السوريين، شمالي حلب (عرفات وتد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **انقسام الإعلام التركي**: الإعلام المعارض ينتقد الحكومة لعجزها عن حل قضية اللاجئين السوريين، بينما يتبنى الإعلام المؤيد الرواية الرسمية.
- **الأحداث في قيصري**: تزامنت مع حملة حكومية لترحيل اللاجئين، مما أدى إلى خسائر في الممتلكات وتوقيف 474 شخصاً، واحتجاجات في شمال سورية أسفرت عن مقتل ستة متظاهرين.
- **آراء الكتاب والمحللين**: تباينت الآراء حول تأثير الهجرة السورية على تركيا، مع دعوات لاتخاذ خطوات رادعة لوقف الأعمال العدائية ضد الأجانب.

انقسم الإعلام التركي في تناوله تبعات قضية اعتداء مواطنين أتراك على ممتلكات السوريين في ولاية قيصري مؤخراً، وما تبعها من احتجاجات في شمال سورية، فيما كان هناك اتفاق على ضرورة حل هذه المسألة بسبب تبعاتها السلبية على المجتمعين السوري والتركي.
وبدأت المتابعة الإعلامية في تركيا للأحداث في قيصري انطلاقاً من وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً هاماً في تحريك الرأي العام. إذ انتشرت الوسوم ومقاطع الفيديو المصورة عبر المنصات، وتلقفتها وسائل الإعلام التقليدية لمتابعتها وتحليلها وفق السياسة التحريرية لكلّ مؤسسة. فانتقد الإعلام المعارض الحكومة واتهمها بالعجز عن إيجاد حلّ لقضية اللاجئين السوريين، فيما تبنى الإعلام المؤيد للحكومة الرواية الرسمية.
وكانت ولاية قيصري التركية قد شهدت في 30 يونيو/ حزيران الماضي، هجمات شنّها سكان محليون على محلات وسيارات تعود ملكيتها للاجئين سوريين. بالتزامن، مع حملة قادتها الحكومة التركية لترحيل اللاجئين إلى الشمال السوري، لا سيما في غازي عنتاب جنوبي البلاد. أسفر ذلك عن خسائر في الممتلكات، وتبعه توقيف 474 شخصاً مشاركاً في أعمال العنف، بحسب الرئيس رجب طيب أردوغان، من بينهم ناشطون على وسائل التواصل ومروجون للعنف.
أدت الاعتداءات إلى خروج تظاهرات احتجاجية في شمال سورية، تخلّلها مقتل ستة متظاهرين سوريين وإصابة عشرات آخرين بعد إطلاق النار عليهم من قبل القوات التركية. 
وتفاعل الإعلام الحكومي مع الأحداث مستنداً إلى ما يكشف عنه من المصادر الرسمية، فنقلت وكالة الأناضول وقناة تي آر تي بيان ولاية قيصري عن الأحداث وركزت على حقيقة الحدث ومحاولة دحض الشائعات التي كانت تقول بأن الضحية هي تركية، وأكدت أن حادثة التحرش المزعومة وقعت بين شاب سوري وابنة عمه السورية بدورها، في محاولة لتوضيح حقيقة القضية أمام الرأي العام.
ولاحقاً بث الإعلام التركي، وخاصةَ الرسمي، بيانات الوزارات الحكومية المختلفة، والتي تناولت تطورات القضية وعمليات توقيف المعتدين، وكذلك الأحداث التي وقعت في شمال سورية. كما نقلت عن مؤسسات المعارضة السورية الموالية لتركيا تصريحاتها التي تدعو إلى الهدوء وعدم التحريض، وتبعتها وسائل الإعلام الدولية من مثل قناة سي إن إن تورك وصحيفتي حرييت وصباح.
بالمقابل ركز الإعلام المعارض على مهاجمة الحكومة وفشلها في إدارة الملف السوري، وخاصة قنوات مثل سوزجو وخلق تي في، وصحف مثل جمهوريت، بخاصة أنّ أكبر أحزاب المعارضة ورئيسه أوزغور أوزال أعلن قبل أيام أنه سيلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد، في يوليو/ تمّوز الحالي من أجل حل المسألة السورية.
كذلك، كانت قضية حرق العلم التركي في شمال سورية حاضرةً بقوة في الإعلام المحلي، خاصةً مع الاهتمام الذي يوليه الشعب التركي لمسألة العلم الذي يراه من أهم رموز البلاد. أدى ذلك إلى انتشار واسع لخبر إلقاء القبض على المسيء للعلم التركي واعترافه واعتذاره في مختلف وسائل الإعلام المحلية.
وتواصلت التغطية الإعلامية التركية لتبعات ما حدث بنفس الطريقة، ومنها الهجوم على متجر لسوريين في قيصري بعد انتهاء موجة العنف، وعملية توقيف 3 أفراد شاركوا بالعملية، مع حرص كل مؤسسة إعلامية على تأكيد ضرورة إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين في البلاد، والتي قفزت إلى مرتبة مهمة إلى جانب التحديات الاقتصادية. ترافق ذلك مع انتشار مطالبات بالتعامل مع القضية بشكل مختلف من مقاربة "المهاجرين والأنصار"، التي اعتمدتها الحكومة التركية في بداية مرحلة اللجوء السوري.

وخصّص عدد من الكتاب مقالاتهم في صفحات الرأي لتناول الأحداث الأخيرة بشكل خاص، وقضية اللجوء عموماً، ومن بينهم الكاتب المعروف عبد القادر سلفي، الذي رأى في مقال نشر الجمعة، في "حرييت" أنّه "يتم حشد المجموعات المنظمة في تركيا وسورية بهدف منع لقاء أردوغان والأسد ومنع تطبيع العلاقات التركية السورية".
أضاف: "يقولون أعيدوا اللاجئين السوريين وعندما يصير هناك فرصة لذلك، فإنهم يتخذون إجراءات استفزازية لتخريب العملية، أليس هذا تناقضاً؟ إنه تناقض"، معتبراً أنّ "هناك من يتغذى على الحرب"، وهم: "أمراء الحرب والقبائل التي تغذيها الحرب، والمنظمات الإرهابية داعش وحزب العمال الكردستاني والمنظمات السلفية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وروسيا".
على المقلب الآخر، قال الصحافي المعارض فاتح ألطاي، في مقال: "قبل 10 سنوات قلنا إنّ هؤلاء المهاجرين يمثلون مشكلة بقاء بالنسبة لتركيا، فقالوا إنّنا فاشيون وعنصريون. كنا نقول هذه الهجرة ليست طبيعية، وإنهم بهذه الطريقة يريدون خلق عدم استقرار داخلي في تركيا، يريدون تهيئة بيئة للصراع الداخلي، صراع عرقي جديد للمستقبل". أضاف: "كانوا يتحدثون عن أنصار ومهاجرين، كانوا إخوة في الدين، وكنا علمانيين قذرين، ثم بدأت الأشياء الصغيرة تحدث، من أنقرة لإسطنبول وصولا لقيصري".
أظهرت الأحداث بشكل واضح تداخل الرأي السياسي في تركيا مع التغطية الإعلامية لقضية اللاجئين. إذ يتم تجاهل الأخبار والأحداث التي تبيّن أهمية العمالة السورية في البلاد ومساهمتها بالاقتصاد، بخاصة في الأعمال التي بدأ الأتراك بالعزوف عنها. كلّ ذلك بسبب المواقف السياسية، وتداخل السياسة والمال والإعلام في البلاد، بنفس الطريقة التي يتم فيها تجاهل اسهامات المجنسين والمولودين في تركيا والطلاب الذين يدرسون فيها منذ أكثر من 10 سنوات.
وعن التغطية الإعلامية للأحداث التي جرت في تركيا وشمال سورية وموقف الإعلام بشقيه المؤيد والمعارض منها، قال الكاتب والباحث بالشأن التركي، طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد": "هناك حالة من الانقسام، الإعلام المؤيد تعامل مع الحدث وفق التصريحات الرسمية التي صدرت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والخطوات السريعة التي قامت بها الحكومة بخاصة وزارة الداخلية".
وأضاف: "أما الإعلام المعارض فكان يتحدث بشكل كبير عن الأخطاء التراكمية، وأن هذه الأحداث جاءت نتيجةً لأخطاء تراكمية وقعت خلال السنوات الماضية من قبل الحكومة التركية في تعاملها مع الملف السوري، كما تطرق إلى مسألة إعادة اللاجئين السوريين، التي تحوّلت إلى مطلب رئيسي رفعته المعارضة منذ انتخابات العام 2019، وهو الأمر الذي ساعدها على الفوز آنذاك، وتحوّل على ورقة رابحة بالنسبة لمناهضي أردوغان في السنوات القليلة الماضية".

وتطرّق عودة أوغلو إلى مواقف الكتّاب من الأحداث الحالية، معتبراً أنّ "هناك كتاباً عقلاء تحدثوا عن أن الهجوم على الأجانب في المدن التركية سواء كانوا لاجئين سوريين أو سيّاحاً سعوديين، يضر البلاد ويؤثر على صورة تركيا التي كانت دائماً مضيئة ولامعة في العالم العربي والإسلامي بسبب احتضانها للمظلومين من كل مكان". تابع: "دفع ذلك عدداً كبيراً من الكتاب للحديث بوضوح عن ضرورة وضع خطوات رادعة وصارمة من قبل الحكومة توقف هذه الأعمال العدائية من قبل بعض الأفراد العنصريين ضد الأجانب، بخاصة ضد السوريين".
ولفت إلى أنّ "العديد من الكتاب المعروفين أشاروا إلى أنّ الأحداث الأخيرة سوف يكون لها تداعيات إذا تركت الأمور دون احتواء من قبل الحكومة، كما وجدوا أنّه من الضروري اتخاذ خطوات وقرارات للحد من انزلاقها إلى منعطف خطير خلال المرحلة المقبلة". كذلك، أشار إلى أنّ "بعض الكتاب المعارضين حمّلوا الحكومة المسؤولية حول ما يجري على الأرض من خلال استضافتها ملايين اللاجئين والأجانب في تركيا".

المساهمون