استمع إلى الملخص
- **تزامن عرض الفيلم مع أحداث واقعية في باريس**: تزامن مع إعلان فعاليات الألعاب الأولمبية في نهر السين الملوث، وانتصار اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، مما أضاف أبعاداً سياسية واجتماعية للفيلم.
- **الرسائل العميقة للفيلم**: يعكس تقاعس بلدية باريس عن تنظيف النهر، ويبرز التناقض بين الصورة البراقة لمدينة الأنوار والواقع المظلم تحت السطح، مع تلميح للأمل في استعادة المدينة لعافيتها.
بثت "نتفليكس"، أخيراً، فيلم "في أعماق النهر" أو Under Paris، من إخراج أكزافية جين، الذي عرف بإخراجه الجزء الأول من سلسلة أفلام Hit Man المقتبسة عن لعبة فيديو تحمل الاسم ذاته.
تزامن عرض الفيلم مع إعلان كل من بلدية باريس ورئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، أن العرض الافتتاحي للألعاب الأولمبية وبعض المسابقات المائية ستقام في نهر السين المعروف بتلوثه الشديد، إلى حد وجود نسبة من البراز فيه.
يأتي "في أعماق النهر" قراءة ساتيرية لطبيعة التلوث في العالم. يتحدث عن سمكة قرش متحولة جينياً تدخل المدينة عبر النهر، وتتكاثر فيها وحدها، كون القروش المتحولة إناثاً ولا تحتاج إلى رجال للتكاثر (وهنا إحالة إلى أن الطبيعة امرأة وانتقامها شديد)، ليرتكب القرش مجزرة ملتهماً ناشطي البيئة المدافعين عنه، ثم السباحين في النهر، ضمن مسابقة تنظمها البلديّة.
كثرت المقالات عن الفيلم بوصفه صورة عن نهر السين وخطورته الشديدة، إذ لا ينجو من القرش لا الشرطة ولا المواطنون ولا ناشطو البيئة. وهنا المفارقة؛ القرش ينتصر في النهاية. تتفجر قنابل قديمة في السين بسبب رصاص الجيش الموجه ضد القرش (أيضاً إحالة إلى ما يمكن أن يحتويه النهر من مخاطر)، لتغرق مدينة باريس وتتغير معالمها وينتصر القرش.
الفيلم ذو الميزانية المتواضعة (20 مليون دولار) قورن بفيلم Jaws الشهير. لكن لا يصح ذلك، خصوصاً أن توقيت بث الفيلم هو الأهم، فالتقارير التي صدرت عن استحالة تنظيف النهر لاستقبال الألعاب المائية تكشف خطورة مياهه، كذلك تاريخ النهر نفسه المليء بالقتلى طوال العصور، وبعضهم من المهاجرين الذين أُلقوا فيه بعد إعدامهم عام 1961. بصورة ما، كأن المدينة ترمي بذنوبها وخطاياها في النهر الذي يختزل تاريخها المشين.
هناك عامل آخر مرتبط بالوقت وهو الانتخابات الأوروبية، التي انتصر فيها اليمين المتطرف، ما اضطر إيمانويل ماكرون إلى حل البرلمان، وإجراء انتخابات فاز في دورتها الأولى اليمين المتطرف، ثم قلب تحالف اليسار، الجبهة الشعبية الجديدة، الطاولة ليحلّ أولاً في الجولة الثانية، مقابل مرتبة ثالثة لليمين المتطرف.
في السياق "الجديد"، يكتسب الفيلم معالم أخرى. "تحت باريس"، أي تحت الصورة النمطية لمدينة الأنوار، وأزمة الألعاب الأولمبية، ظهر اليمين المتطرف، الذي تنتشر الأحرف الأولى من اسم حزبه "التجمع الوطني" (Rassemblement National) في أرجاء المدينة، وكأن الخطر الأكبر في المدينة يختفي "تحت" هذه الصورة البراقة، وبانتظار اللحظة المناسبة كي "ينفجر" و"يُغرق" المدينة بمن فيها، مغيراً ملامحها.
تغيير الملامح هذا شهدناه بترحيل المشردين وطالبي اللجوء من المدينة، ودعوات اليمين المتطرف إلى "تنظيف" فرنسا، واحتجاجات الناشطين الذين يعملون ضد دعاية اليمين. لكن، في الفيلم، التهمت القروش الناشطين.
يكشف الفيلم تقاعس بلدية باريس وعجزها عن الإيفاء بوعودها، خصوصاً أن "السباحة" المفترضة لماكرون والعمدة آن هيدالغو قد ألغيت بسبب الانتخابات. وقبل ذلك، لم يتردد الناشطون في تنظيم فعالية في اليوم ذاته المقرر لسباحة الرئيس والعمدة، وذلك للتبرز في نهر السين، احتجاجاً على سياسات المدينة أثناء الألعاب الأولمبية، تلك التي تبدأ بمضاعفة أسعار المترو، انتهاءً بحرمان سكان المدينة من سهولة التنقل، بسبب الاكتظاظ الهائل أثناء الأولمبياد، إذ يتوقع أن تستقبل المدينة أكثر من 16 مليون سائح.
يقدم "في أعماق النهر" قراءة ساتيرية عنيفة ودموية لعاصمة الأنوار التي عرفت بمتنزهاتها ومقاهيها، تختزل "تحت" هذا الوجه تعصباً وميلاً إلى كراهية الأجانب في بعض أحيائها. مع ذلك، لا تخفى على أحد التظاهرات الدائمة ضد خطر اليمين المتطرف، وضد العدوان على قطاع غزة، وضد دعم الاحتلال الإسرائيلي. وكأن هناك أملاً بعد الطوفان المحتمل بأن المدينة قادرة على استعادة عافيتها، والأهم حريتها.