قطع غزة الأثرية.. أسلوب جديد للتعريف بفلسطين

08 نوفمبر 2015
عابد في معمله تصوير(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
بين مئات القطع الأثرية والمنحوتات الفخارية المتناثرة على طاولة خشبية داخل غرفة صغيرة مسقوفة بألواح "الأسبست" ومطلة على شاطئ بحر مدينة غزة، يقضي الفنان الفلسطيني نافذ عابد (55 عاماً) ساعات طوالا من يومه، محاولا ترميم القطع المحفوظة لديه وإعادة صناعة بعضها وتقليدها بمهارة ودقة عالية. 

وعلى مدار 25 عاما متواصلة، جمع الفنان عابد تلك المقدرات التاريخية في منزله الكائن في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، واكتسب في ذات الفترة مهارات تقليد القطع الأثرية وصناعة اللوحات الفسيفسائية، وعلى أثر ذلك، أصبح يشار له بالبنان من قبل الخبراء الفلسطينيين وبعض علماء الآثار العالميين أيضاً.

وذكر عابد لـ "العربي الجديد" أن علاقته بجمع وتقليد الآثار بدأت بعد أن خرج من سجون الاحتلال الإسرائيلي عام 1989، معتمدا في ذلك على حبه وهوايته للأشياء القديمة، مبينا أن بعض الوفود الأجنبية والعربية زارته في بيته من أجل الاطلاع على أعماله وممتلكاته، التي يبلغ عمر بعضها ثلاثة آلاف عام.

وتتزين الجدران الأربعة للغرفة الأسمنتية بعشرات اللوحات الفسيفسائية التي تمكن الفنان نافذ من صناعتها وتقليدها عن نماذجها الأصلية، والتي تعكس في مجملها تفاصيل وتاريخ الحضارات القديمة، لاسيما البيزنطية والرومانية واليونانية فضلا عن الحضارة الإسلامية. وأوضح أنه يتقن صناعة الأسرجة والمجسمات وكذلك الخواتم والتماثيل بالإضافة إلى إعادة صك النقود من معدن الرصاص أو الفخار بألوان وأشكال مختلفة، فضلا عن قدرته على صناعة المواد الخام اللازمة لإعادة ترميم القطع المتهالكة بما يضمن إبقاء الطابع الأثري محفوظا عليها.

ويعتمد الفنان الحرفي في عمله على الأدوات البدائية المستخدمة منذ العصور القديمة، كالإبرة والإزميل والمنشار الصغير بجانب الفرشاة والقلم، التي تعطي طابعا أثريا أجمل، عكس الآلات والمعدات الجاهزة التي قد تفقد القطع الأثرية رونقها أثناء عملية ترميمها أو إعادة استنساخها.

وشارك عابد خلال مسيرة عمله بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية، في العديد من عمليات الحفر والتنقيب داخل المواقع الأثرية الموجودة في الضفة الغربية وقطاع غزة برفقة وفود دولية، كالإيطاليين والفرنسيين والهولنديين، الأمر الذي عزز من قدراته كونه مارس علم التاريخ من دون أن يدرسه في المعاهد التعليمية.

وتعرّف عابد في عام 1994 إلى بعثة آثار فرنسية فأراد اختبار بعض أفرادها بعرض أوعية فخارية عليهم، فظنوها أصلية، ولكنه أثبت لهم أنها مقلدة ومن صنع يديه عندما كشف لهم عن 15 وعاء آخر مشابهة بشكل تام، الأمر الذي جعل رئيس البعثة يبدي إعجابه الشديد بمهارات عابد في ترميم الآثار وتقليدها.

وبين أن أهمية مهنة تقليد الآثار تكمن في أن المتاحف العالمية لا تعرض دائما الأعمال الأصلية أمام الجمهور خشية من سرقتها، لذا تضطر إلى إيجاد نماذج مقلدة عن الأصل، لافتا إلى أنه شارك في أعمال صيانة داخل قصر هشام بن عبد الملك في مدينة أريحا برفقة عالم الفسيفساء "بشرلو" لمدة ستة أشهر.

وأشار الفنان الحرفي نافذ عابد إلى أن أحد وكلاء وزارة السياحة أخذ منه في عام 2000 مقلدات من الأسرجة كهدية للمتحف البولندي، ولكن إدارة المتحف عرضت تلك المقلدات كأنها أصلية بسبب دقتها وجمالها، رغم الإيضاح لهم بأنها مقلدة فضلاً عن كتابة توقيع عابد ورقم جواله أسفل تلك الأعمال المستنسخة.

وأضاف: "في عام 2006 زارني القنصل السويسري في بيتي بعد أن شاهدني في أحد المواقع الأثرية وحينها ذهل من أعمالي، وبعد أسبوع جاء القنصل مرة أخرى برفقة مدير متحف جنيف وعرضا عليَّ العمل في المتحف، ولكني رفضت حفاظا على التراث الفلسطيني ولرغبتي في نقل التجربة إلى أبناء شعبي".

ويحتفظ عابد داخل غرفته أو ورشته الصغيرة، كما يحب أن يطلق عليها، ببعض الكتب والمراجع القديمة التي تؤكد على أحقية الشعب الفلسطيني بالعديد من المقدرات الأثرية التي يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تزييفها أو نسبها إلى نفسه.

ويحاول الفنان نافذ بيع بعض أعماله ومنحوتاته ليعتاش على ثمنها بعد أن قطعت السلطة الفلسطينية راتبه الشهري عام 2007 ولكن جميع محاولاته تصطدم بالحصار الإسرائيلي الذي قتل النشاط السياحي المحلي وأضعف من مستوى البعثات السياحية الأجنبية التي كانت تزور غزة.

ويطالب عابد بإيجاد مساقات خاصة بالآثار الفلسطينية تدرس في المراحل التعليمية كافة مع إقامة متحف وطني جامع داخل قطاع غزة، وكذلك إرسال بعثات محلية للمشاركة في المعارض العربية أو الدولية المهتمة بالتراث وفن التقليد التاريخي.

اقرأ أيضاً: لوحات غزّاوية: المعاناة اليومية بالرسم
المساهمون