الإسكافي: مهنة تنتعش في غزّة

14 ديسمبر 2014
+ الخط -
بدقة وتركيز شديدين يثبت العجوز الفلسطيني محمود صبح، المسمار الأخير في "نعل" حذاء مهترئ، لم يجد صاحبه القدرة على تبديله وشراء "نعل" جديد بديلاً منه، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة. 

وتتقاطع أشعة شمس الظهيرة في سوق البلدة القديمة شرقي مدينة غزة، مع تجاعيد يدي "الإسكافي" صبح، اللتين تنتقلان بمهارة وحرفية بين معداته البسيطة، لتصلح تلك الأحذية القديمة خلال دقائق.

يقول صبح لـ "العربي الجديد": "الناس في غزة ظروفها الاقتصادية صعبة للغاية، وقد ازدادت قسوةً خلال الأشهر الأخيرة، لذلك تجدهم يضطرون إلى إصلاح أحذيتهم القديمة بدلاً من شراء جديدة.. رغم أن الجديدة وماركاتها الصينية قليلة الثمن".

ويضيف: "منذ شهور لم أتوقف عن العمل مطلقاً، أصلح في اليوم قرابة الخمسين حذاء، وهذا ما كان حلماً بالنسبة لي قبل عدة أشهر من الآن، حيث كنت أصلح أضراراً طفيفة في عشرة أو عشرين حذاء فقط في اليوم الواحد".



ويخطط العجوز الفلسطيني إلى توظيف عامل جديد لديه، ليساعده في إصلاح عشرات الأحذية التي يتوقع أن تصله ليصلحها، إذا ما استمرت الظروف الاقتصادية على هذا الحال في القطاع الساحلي المحاصر، الذين يعاني اشتداد الحصار وغياب أفق التنمية الاقتصادية.

ولم تعد جلسة الشاي الصباحية، تجمع مصلحي الأحذية الذين يعملون في سوق البلدة القديمة بمدينة غزة منذ عشرات السنين، فالجميع بات منشغلاً بإصلاح أكوام من الأحذية القديمة التي تتراكم أمامه.

وليس بعيداً عن صبح، كان أحد الزبائن يطلب من "الإسكافي" خالد السكني (55 عاماً) خصم ثلاثة شواقل (أقل من دولار) من تكلفة إصلاح حذائه القديم التي بلغت "ثمانية شواقل"، فما كان من الأخير إلا أن قبل شفقةً على ذلك الزبون.

ويقول السكني لـ"العربي الجديد": "لا أملك إلا أن أقبل من مثل هذا. الأوضاع الاقتصادية صعبة على الجميع ويجب أن نساند بعضنا البعض". ويشير السكني إلى أن تكلفة إصلاح الحذاء بسيطة بالنسبة لثمن حذاء جديد، فأقصى ما يمكن أن تصل إليه عشرة شواقل (2.5 دولار) ولكن تجد الكثير من الزبائن لا يملكون هذا الثمن، وهذا يرسم صورة للظروف التي يعيشها الناس في غزة.

ويقول، بينما كان يمرر بحرفية أحد الأحذية أسفل إبرة ماكينة الخياطة، "أنا أعمل في مهنة الإسكافي منذ عشرين عاماً، وقد كان عدد من يعملون في هذه المهنة أكثر من خمسمائة شخص في القطاع كله، ولكنهم تقلصوا كثيراً في السنوات الماضية بسبب إحجام الناس عنهم وتفضيلهم لاقتناء أحذية جديدة". ولكن تزايد الإقبال على إصلاح الأحذية القديمة، شجع الكثيرين ممن كانوا يعملون في هذه المهنة للعودة إليها، كما يقول السكني.

ويعيش 90% من سكان قطاع غزة، تحت خط الفقر حيث يبلغ معدل دخل الفرد اليومي دولاراً واحداً فقط. وارتفعت نسبة البطالة في قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة إلى 80%. وتفرض السلطات الإسرائيلية حصاراً على قطاع غزة، الذي يعيش فيه 1.8 مليون فلسطيني، منذ سيطرة حركة "حماس" عليه عام 2007، إلى جانب التشديد المصري على الحدود، وإغلاق الأنفاق.

دلالات
المساهمون