يتناول وثائقي "المنبوذ" (Untouchable)، لأورسولا ماكفرلاين، المُشارك في الدورة الثالثة (19 ـ 27 سبتمبر/ أيلول 2019) لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، سيرة الأميركي هارفي وينستين، أحد أهمّ وأشهر منتجي السينما الأميركية في العقود الأخيرة، المتّهم عام 2017 بالتحرّش والاغتصاب، من خلال شهادات المتعرّضات للتحرّش والاغتصاب، والصحافيين الذين أجروا التحقيقات وكشفوا وقائع المسألة، وزملاء عمل له في "ميراماكس"، التي أسّسها مع أخيه بوب، وذاع صيتها منذ تسعينيات القرن الـ20.
هناك جانبان يتيحان تناول هذا الفيلم، أو أيّ فيلم آخر يتناول قضية اجتماعية أو سياسية كبيرة وراهنة: الأول كامنٌ في أهمية الموضوع، والثاني متعلّق بسينمائية المُنتَج الفنيّ بحدّ ذاته.
أولاً، هذا فيلم مهمّ من دون شكّ. صحيحٌ أنّ إحدى مشاكله كامنةٌ في عدم ذهابه أبعد، ولو خطوة واحدة، ممّا تضمّنه تحقيقا الصحافي رونان فارو في "ذو نيويوركر"، والصحافيّتين جودي كانتور وميغان توهيي في "نيويورك تايمز"، المنشوران في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بعد أشهر من العمل، والاستماع إلى المتعرّضات للتحرّش، ومحاولة التأكّد الكامل من محتوى الشهادات ومصداقيتها قبل النشر.
في "المنبوذ"، تبدأ أورسولا ماكفرلاين عملها من التحقيقين، وتنهيه فيهما. تلتقي النساء أنفسهنّ، وتسمع الشهادات إياها، مع تصويرها هذه المرّة، فتظهر الانفعالات على الشاشة. ورغم الاعتماد الكامل على إعادة إنتاج محتوى موجود سابقا، إلا أنّ الفيلم مهمٌ، إذْ يوصل القضية إلى عددٍ أكبر من الناس، عارضا لهم جانبا مظلما وخفيا من تاريخ هوليوود، بعيدا عن صورتها البرّاقة.
لكن الفيلم، من ناحية أخرى، شديد التواضع، فنيا وسينمائيا، كما في علاقته بالمجتمع الذي يتحدّث عنه. فماكفرلاين مخرجة حلقات تسجيلية تلفزيونية، ما يجعلها تُثبّت الكاميرا أمام الضيف، وتتركه يُلقي شهادته، مع تركيز على لحظات التأثّر العاطفي والصمت، ومحاولة ملء فراغ الصورة بأيّ موازٍ بصريّ بسيط، كي لا تبقى الشاشة مفتوحة على "رؤوس متكلّمة" طوال الوقت، وهذا تعبير يصف ذاك النوع من الوثائقيات.
في Untouchable، تُبقي ماكفرلاين العمل في دائرة "الحلقة التلفزيونية" في كلّ لحظة، من دون محاولة خلق تحدٍّ وعمق أكبر على مستوى الموضوع، أو تطرح على ضيوفها أسئلة أبعد من شهاداتهم الأساسية. أحد الظاهرين في الفيلم كان يعمل في "ميراماكس" في التسعينيات الفائتة، واستمرّ في عمله هذا رغم معرفته بتحرّشات وينستين وفضائحه، فقال في الفيلم شهادة عن الرجل أقرب إلى تبرئة ذمّته، من دون أن تتدخّل ماكفرلاين بأسئلة منطقية، تقفز في عقل المُشاهد، كأنّ تسأله عن سبب استمراره في العمل سابقا، أو لماذا تحدّث الآن.
الأمر نفسه ينطبق على شخصيات كثيرة، وبعض الشهادات الإشكالية لأشخاصٍ استمرّوا في العمل، أو لهم صداقات مع المنتج المتّهم حتى لحظة سقوطه. ماكفرلاين لا تلتقط تلك الأسئلة المحلّقة في الغرفة، ولا تذهب بفيلمها إلى ما هو أبعد من ذلك، رغم أهمية الموضوع.
في نهاية الوثائقي، تقول الصحافية جودي كانتور إنّ الخطر للغاية كامنٌ في التضحية بالشخص الفظّ والأسوأ والأكثر تطرفا في تصرّفاته (تقصد وينستين)، بينما يُترك آخرون ليواصلوا الممارسات نفسها، ولا يتعرّض لهم أحدٌ، لأنهم لم يكونوا بالقبح والفجاجة نفسيهما.
اقــرأ أيضاً
اللافت أنّ "المنبوذ" يمارس فعليا مضمون هذه الجملة. كلّ دقيقة فيه تكرّر إثبات أنّ هارفي وينستين فظّ وقبيح، وهذا معروفٌ منذ عامين، بفضل جهود الصحافيين. يحصل هذا من دون أي تحدّ فنّي، أو اشتباك حقيقي مع مواضيع السلطة والتحرّش والوجه القبيح لهوليوود، لتكتفي أورسولا ماكفرلاين بجعله "حلقة تلفزيونية" عن المُنتِج المتّهم.
هناك جانبان يتيحان تناول هذا الفيلم، أو أيّ فيلم آخر يتناول قضية اجتماعية أو سياسية كبيرة وراهنة: الأول كامنٌ في أهمية الموضوع، والثاني متعلّق بسينمائية المُنتَج الفنيّ بحدّ ذاته.
أولاً، هذا فيلم مهمّ من دون شكّ. صحيحٌ أنّ إحدى مشاكله كامنةٌ في عدم ذهابه أبعد، ولو خطوة واحدة، ممّا تضمّنه تحقيقا الصحافي رونان فارو في "ذو نيويوركر"، والصحافيّتين جودي كانتور وميغان توهيي في "نيويورك تايمز"، المنشوران في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بعد أشهر من العمل، والاستماع إلى المتعرّضات للتحرّش، ومحاولة التأكّد الكامل من محتوى الشهادات ومصداقيتها قبل النشر.
في "المنبوذ"، تبدأ أورسولا ماكفرلاين عملها من التحقيقين، وتنهيه فيهما. تلتقي النساء أنفسهنّ، وتسمع الشهادات إياها، مع تصويرها هذه المرّة، فتظهر الانفعالات على الشاشة. ورغم الاعتماد الكامل على إعادة إنتاج محتوى موجود سابقا، إلا أنّ الفيلم مهمٌ، إذْ يوصل القضية إلى عددٍ أكبر من الناس، عارضا لهم جانبا مظلما وخفيا من تاريخ هوليوود، بعيدا عن صورتها البرّاقة.
لكن الفيلم، من ناحية أخرى، شديد التواضع، فنيا وسينمائيا، كما في علاقته بالمجتمع الذي يتحدّث عنه. فماكفرلاين مخرجة حلقات تسجيلية تلفزيونية، ما يجعلها تُثبّت الكاميرا أمام الضيف، وتتركه يُلقي شهادته، مع تركيز على لحظات التأثّر العاطفي والصمت، ومحاولة ملء فراغ الصورة بأيّ موازٍ بصريّ بسيط، كي لا تبقى الشاشة مفتوحة على "رؤوس متكلّمة" طوال الوقت، وهذا تعبير يصف ذاك النوع من الوثائقيات.
في Untouchable، تُبقي ماكفرلاين العمل في دائرة "الحلقة التلفزيونية" في كلّ لحظة، من دون محاولة خلق تحدٍّ وعمق أكبر على مستوى الموضوع، أو تطرح على ضيوفها أسئلة أبعد من شهاداتهم الأساسية. أحد الظاهرين في الفيلم كان يعمل في "ميراماكس" في التسعينيات الفائتة، واستمرّ في عمله هذا رغم معرفته بتحرّشات وينستين وفضائحه، فقال في الفيلم شهادة عن الرجل أقرب إلى تبرئة ذمّته، من دون أن تتدخّل ماكفرلاين بأسئلة منطقية، تقفز في عقل المُشاهد، كأنّ تسأله عن سبب استمراره في العمل سابقا، أو لماذا تحدّث الآن.
الأمر نفسه ينطبق على شخصيات كثيرة، وبعض الشهادات الإشكالية لأشخاصٍ استمرّوا في العمل، أو لهم صداقات مع المنتج المتّهم حتى لحظة سقوطه. ماكفرلاين لا تلتقط تلك الأسئلة المحلّقة في الغرفة، ولا تذهب بفيلمها إلى ما هو أبعد من ذلك، رغم أهمية الموضوع.
في نهاية الوثائقي، تقول الصحافية جودي كانتور إنّ الخطر للغاية كامنٌ في التضحية بالشخص الفظّ والأسوأ والأكثر تطرفا في تصرّفاته (تقصد وينستين)، بينما يُترك آخرون ليواصلوا الممارسات نفسها، ولا يتعرّض لهم أحدٌ، لأنهم لم يكونوا بالقبح والفجاجة نفسيهما.