دونالد ترامب فاز في الانتخابات الرئاسية الأميركية أمام الديمقراطية كامالا هاريس، مدعوماً بمجموعة من المديرين التنفيذيين اليمينيين ورجال الأعمال المغامرين الذين موّلوا حملته، وعلى رأسهم إيلون ماسك. لكن الكل في وادي السيليكون، سواء دعموا ترامب أم لم يدعموه، سيشهدون انعكاسات ولايته الثانية على القطاع.
ماسك المستفيد الأكبر من فوز ترامب
في وادي السيليكون، قد يكون الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك، أكثر مَن سخّروا جهودهم لضمان إعادة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ كان أحد أكبر المتبرعين والمؤيدين علناً لترامب (استثمر أكثر من مائة مليون دولار في حملة ترامب الانتخابية)، ووظف منصته إكس (تويتر سابقاً) في الترويج للمحتوى الذي يدعمه ويحث على التصويت له. ووفقاً للإعلام الأميركي، فإن أحداً لن يستفيد من ولاية ترامب الثانية كماسك، الذي قد يصبح رجل الأعمال الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة.
قبل إعادة انتخاب ترامب، اقترح تسليم ماسك "إدارة جديدة لكفاءة الحكومة" من شأنها أن تقلص قوة العمل الفيدرالية. إذا حصل ذلك، سيتمكن ماسك من اختيار من ينظم شركاته، بما في ذلك تِسلا وسبيس إكس. قد يحاول أيضاً طرد أي شخص يقف في طريقه. أو قد يطرد أعداداً كبيرة من الموظفين الحكوميين، ويحتفظ فقط بمَن يعتبرهم مخلصين، كما فعل في "تويتر" بعد استحواذه عليها، وذلك وفقاً لما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز أول من أمس الأربعاء.
والأمر لا يقف عند هذا الحد. كشفت "نيويورك تايمز" في تقرير آخر منفصل، الأربعاء، أن ماسك طلب سابقاً من ترامب تعيين بعض الموظفين في شركته سبيس إكس كمسؤولين حكوميين كبار، بما في ذلك في وزارة الدفاع، وذلك وفقاً لشخصين مطلعين على المكالمات بين الرجلين. الشركات الست التي يشرف عليها ماسك متشابكة بعمق مع الوكالات الفيدرالية. فهي تجني مليارات الدولارات من عقود إطلاق الصواريخ وبناء الأقمار الصناعية وتوفير خدمات الاتصالات الفضائية. وهذه الشركات تواجه ما لا يقل عن عشرين تحقيقاً، بينها تحقيق يستهدف تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة التي تعتبرها "تسلا" مفتاحاً لمستقبلها. والتقارب بين ماسك والرئيس الجديد، المشرف على هذه الوكالات، يعني أن شركات الأول ستواجه تدقيقاً أقل من الحكومة الفيدرالية.
وكان ترامب قد صرّح، في مقابلات أجريت معه أخيراً، بأنه سيستخدم سلطته التنفيذية لمساعدة ماسك. في تجمّع حاشد في ميشيغان في يوليو/تموز الماضي، قال ترامب: "يتعين علينا جعل حياة مواطنينا الأذكياء أفضل، وليس هناك من هو أذكى منه (ماسك)". وبالفعل، زادت ثروة ماسك بمقدار 20 مليار دولار، الأربعاء، مع ارتفاع أسهم "تسلا" في أعقاب الانتخابات، ليصل إجمالي صافي ثروته إلى 285 مليار دولار، وفقاً لتقديرات مجلة فوربس.
ليس وحده
كل كبار المسؤولين في وادي السيليكون سيستفيدون من عودة ترامب، خاصة أن هؤلاء تعلّموا أن عليهم ألا يعارضوه علناً، كما فعلوا خلال ولايته الأولى؛ زعمت شركة أمازون في المحكمة أنها خسرت عقداً قيمته 10 مليارات دولار مع وزارة الدفاع، بسبب انتقام ترامب الشخصي من مؤسسها جيف بيزوس الذي يمتلك صحيفة واشنطن بوست، والأخيرة وقفت على الحياد في هذه الانتخابات. وتجنب بيزوس توجيه أي انتقاد علني لترامب، بل هنأه بالفوز برسالة على منصة إكس.
الكاتب في شؤون التكنولوجيا في "نيويورك تايمز" كيفن روس قال: "ستغضب حفنة من قادة التكنولوجيا بهدوء من ترامب، وقد يجرؤ البعض حتى على معارضته علناً. ولكن بالنظر إلى مظاهر الخضوع التي رأيناها خلال الحملة، أتوقع أن أرى معظم الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا يتسامحون بهدوء - إن لم يدعموا بحماس - أجندته في فترة ولايته الثانية".
انتصار للعملات المشفرة
شكك ترامب في العملات المشفرة. ولكن على مدار العام الماضي، أصبح مؤيداً صريحاً لهذا القطاع. إذ تعهّد خلال مؤتمر كبير هذا العام بأنه سيجعل الولايات المتحدة "قوة عظمى في مجال بيتكوين"، وبأنه سيعمل على فرض إجراءات تنظيمية أكثر ودية "خطّها أشخاص يحبون قطاعك، لا كارهين له". ولاقى تصفيقًا عندما قال إنه سيطرد رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة غاري غينسلر، وهو منتقد للعملات المشفرة. كما أيد ترامب أحد المرشحين المفضلين لدى جماعات الضغط لصالح لعملات المشفرة في الكونغرس لعام 2024، رجل الأعمال الجمهوري بيرني مورينو، الذي هزم السيناتور الديمقراطي الحالي شيرود براون ليحصل على مقعده في أوهايو. وأطلقت عائلة ترامب مشروعها الخاص في مجال العملات المشفرة، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
وقد ارتفع سعر بيتكوين، العملة المشفرة الأكثر شهرة، ليلة الانتخابات مع تزايد التوقعات بفوز ترامب، كما ذكرت قناة سي إن بي سي. وهكذا، من المرجح أن يشعر المستثمرون والمديرون التنفيذيون في مجال العملات المشفرة الذين ضخوا ملايين الدولارات في حملة انتخاب ترامب وغيره من المرشحين المؤيدين للعملات المشفرة بأنهم استعادوا قيمة أموالهم.
مكافحة أقل للاحتكار
من المرجح أن يتخلص ترامب وحلفاؤه من أي شخص مرتبط بمعارك مكافحة الاحتكار التي تخوضها إدارة بايدن مع شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السليكون. وقد قال ماسك بالفعل إن لينا خان، رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية التي قادت قضايا الوكالة ضد شركات مثل "أمازون" و"ميتا"، ستطرد من منصبها. كما يتوقع أن يطهّر ترامب وزارة العدل، ويستبدل المسؤولين عن رفع القضايا ضد شركات مثل "آبل".
"غوغل" الوحيدة التي قد لا تستفيد من تغيير الحرس المناهض. أبدى المحافظون المؤيدون لترامب غضباً من "غوغل" لسنوات. وزعموا أن الشركة متحيزة ضد المحافظين. ودعم ترامب الجهود الرامية إلى تفكيكها خلال فترة ولايته الأولى. واتهم محركها للبحث، في سبتمبر/أيلول الماضي، بأنه يعرض "مقالات سيئة" عنه فقط، وتوعد بمحاسبتها في حال فوزه.
ماذا عن "تيك توك"؟
بموجب مشروع قانون "حظر تيك توك" الذي أقره الكونغرس ووقّع عليه هذا العام، كان من المفترض أن تبيع شركة بايتدانس الصينية عمليات منصتها تيك توك في الولايات المتحدة بحلول يناير/كانون الثاني 2025، أو تواجه حظراً على مستوى البلاد. ربما زال هذا التهديد الآن، لأن ترامب، الذي قضى جزءاً كبيراً من ولايته الأولى محاولاً حظر "تيك توك"، غيّر رأيه هذا العام، بعد جهود ضغط مكثفة من قبل مستثمر كبير في "بايتدانس". ومنذ ذلك الحين، تعهد بإنقاذ "تيك توك" في الولايات المتحدة. لا يستطيع ترامب إلغاء قانون بدون الكونغرس، وقد تخسر "تيك توك" استئنافاتها في المحكمة، لذلك لا تزال هناك فرصة لدخول حظر المنصة حيز التنفيذ. لكن ترامب قد يرفض ببساطة فرضه.
منصات التواصل نحو اليمين
لسنوات، زعم الجمهوريون أن منصات التواصل الاجتماعي الكبرى متحيزة ضدهم. من الواضح أن "إكس" ستكون أرضاً صديقة في إدارة ترامب الثانية. وقد تشهد بعض شبكات التواصل الاجتماعي البديلة، مثل "ثريدز" و"بلوسكاي"، ارتفاعاً في عدد المستخدمين ذوي الميول اليسارية الذين يلومون "إكس" وماسك على مساعدة ترامب في الفوز. لكن "نيويورك تايمز" توقعت أن تسلك المزيد من شركات التواصل الاجتماعي الكبرى نفس الطريق الذي سلكته "إكس"، وتحول سياساتها وممارساتها إلى اليمين بشكل استباقي لتجنب المعارك مع الإدارة الجديدة.