"أم سرحان"... سيرة امرأة عراقية تسعى لتحقيق طموحها

03 نوفمبر 2019
مسار أم سرحان في تحقيق حلمها كنحّاتة (العربي الجديد)
+ الخط -
كرّس المخرج العراقي الشاب، عمر فلاح، اسمه بعدد من الأفلام القصيرة، التي نفّذها في الأعوام القليلة الماضية، إذ نالت جوائز في مهرجانات عديدة، منها: "غنّي أغنيتك"، الفائز بالجائزة الثانية في "مهرجان الخليج السينمائي"، و"أبناء النهر"، الحاصل على جائزة الخنجر الذهبي في "مهرجان مسقط السينمائي الدولي"، و"احتجاج"، وغيرها.

عن وثائقيّه الجديد "أم سرحان"، قال عمر فلاح، في حوار مع "العربي الجديد"، إنّه وثّق على مدى 15 عاماً حياة امرأة عراقية غير متعلّمة، تعيش في قرية تابعة لقضاء قلعة سكر في محافظة ذي قار، وتكتشف صدفة أنّها تمتلك قدرة على النحت، ولديها موهبة الرسم بالفطرة، وذلك بفضل ابنها سرحان، أثناء مشاركته في أحد النشاطات المدرسيّة. أضاف: "بعد إصرارها على تطوير الموهبة، استطاعت تحقيق إنجازات مختلفة، بتنظيمها معارض عديدة، والاشتغال على منحوتات ولوحات فنية، جعلتها تتمسّك بموهبتها أكثر، فاندفعت لتطوير أدواتها تدريجاً".

لكنْ لسكان القرية التي تعيش فيها أم سرحان رأي آخر مُعارض لما تقوم به، ففرضوا عليها أحد الخيارين: إمّا أنْ تتخلّى عن العمل الذي تقوم به، لأنّه لا يتماشى مع عاداتهم وتقاليدهم المحافظة، أو أنْ تترك القرية مع عائلتها. بعد تهديدات وإنذارات عديدة، غادرت أم سرحان القرية مع عائلتها، وانتقلت إلى بغداد، لأنها توفّر مناخاً أفضل لأمثالها.

يتابع الفيلم مواصلة أم سرحان تحقيق حلمها في أنْ تصبح نحّاتة، رغم الظروف الصعبة وغير المواتية بالنسبة إلى امرأة تعيش في الريف، وتُصبح أرملة لاحقاً. ويُظهر السرد الحكائي إصرار هذه المرأة العراقية على تحقيق هدفها، إيماناً منها بأنّه يُمكن المرأة أنْ تنال مكانتها، إذا انتزعت اعتراف المجتمع بموهبتها وحقّها في العطاء الإبداعي، ثقافياً وفنياً.
عن معالجته هذه الحكاية، قال فلاح إنّ الفيلم "يسلّط الضوء على قدرة المرأة المبدعة على مواجهة ظروف صعبة تعيش في ظلّها، وإصرارها على تحدّي المشاكل والمعوقات التي تواجهها، وتجاوزها، ومواصلة طموحها، حتّى تحقيق أهدافها".

والفيلم يوثّق قصّتها، بتصويره مراحل كثيرة وعديدة، في فترات زمنية متباعدة، من حياتها اليومية، وبتوثيق المقابلات التي تتحدّث فيها عمّا واجهته من صعوبات. وأيضاً بتصوير المعارض التي أقامتها، وأعمالها الفنية من نحت ورسم، ومتابعة عملية انتقالها من القرية إلى بغداد. ورصد الفيلم، بأسلوبٍ واقعي وعفوي، تفاصيل كثيرة من حياتها اليومية، تُظهر المراحل والأحداث والانتقالات التي عاشتها أم سرحان وعائلتها، في 15 عاماً، وإقامتها معارض فنية في بغداد، وصنع اسم فني محترم في الوسط الفني العراقي، ثم إكمالها دراستها الأكاديمية.

في رؤيته الفنية للحكاية، صوّر عمر فلاح من دون سيناريو مسبق، أو تعليق على الأحداث، معتمداً أساساً على أحداثٍ درامية مستلّة من الواقع، صوّرها بشكلها العفوي والواقعي، وكانت أم سرحان بطلتها، وقد أبدت صبراً كبيراً في تصوير حياتها طوال الفترة المذكورة. ويُلاحظ في الفيلم التغيير الذي طرأ على شكلها ومظهرها وطريقة كلامها على مرّ السنين. وبين أول لقطة وآخر لقطة، يتحوّل سرحان من طفل إلى شاب، له موهبة الشعر، رغم المصاعب الكثيرة التي واجهت الجميع، "لأنّها امرأة منتمية إلى بيئة ريفية، لم نستطع الغوص في حياتها وأفكارها الخاصة. كذلك فإنّها تحفّظت عن أمور كثيرة أمام هيبة الكاميرا".

وثّق الفيلم مراحل عديدة في حياة أم سرحان، بدءاً من عام 2004، وهذه مرحلة اكتشاف الموهبة والأعمال، ثم عام 2007، مع تنظيمها أول معرض شخصي لها في مدينة الناصرية، ثم انتقالها وعائلتها من القرية إلى بغداد، وتوثيق أحداث وانتقالات عديدة في حياتها الناجحة في بغداد، وتصوير عودتها إلى القرية عام 2015، بعد وفاة زوجها، المُعيل والمُساند الوحيد لها. بعد ذلك، صُوِّرَت حياتها اليومية الجديدة في بغداد، بعد العودة إليها مجدّداً، ثم تصويرها عام 2018، كامرأة متعلّمة بعد إكمالها الدراسة، وسعيها إلى الانتساب إلى "معهد الفنون الجميلة".
يُذكر أنّ عمر فلاح استخدم، في مشهدين اثنين، مقطوعتين موسيقيتين لنصير شمّة، هما: "ليل بغداد" و"رحيل القمر"، وتضمّن الفيلم صُوراً فوتوغرافية توثّق لحظات تكريم أم سرحان، والمعارض التي أقامتها، ولقطات أرشيفية من أحد معارضها في شارع المتنبي، ولقاءات تلفزيونية عراقية مختلفة.
دلالات
المساهمون