أميركيون في التشيك...حضور شبابي وأفلام تعرض لأول مرة

06 يوليو 2017
كايسي آفلك مُكرَّماً (المركز الإعلامي للمهرجان)
+ الخط -


كلُّ شيء مختلفٌ هنا. المدينة والطبيعة المحيطة بها، كما تنظيمها العمرانيّ وشوارعها وأمكنتها الكثيرة، التي يأتيها مئات آلاف البشر، سنوياً، من مختلف أنحاء العالم، لراحة واستجمام وعلاجٍ بالمياه الطبيعية. لن يكون صعباً تبيان اختلاف المدينة التشيكية "كارلوفي فاري" عن المدينة الجنوبية الفرنسية "كانّ"، وإن تتشابهان معاً في استضافتهما مهرجانين سينمائيين دوليين، يبقى الأول (كانّ) أشهر دولياً.


التشيكيون مهتمّون بالسينما، ولديهم إنتاجٌ محليّ ينفتح على مشاركات إنتاجية مختلفة، في أوروبا الشرقية تحديداً. لكن تفاعلهم مع الدورة الـ 52 (30 يونيو/ حزيران ـ 8 يوليو/ تموز 2017) لـ "مهرجان كارلوفي فاري السينمائيّ الدولي" أقلّ حجماً وصخباً من دورات سابقة، وهذا يتناقض والازدحام الكبير في "كانّ"، الذي يُسبِّب المهتمّون بالسينما جزءاً أساسياً منه.

ولا تزال المدينة التشيكية هادئة، رغم بلوغ المهرجان منتصف دورته الـ 52. محيط فندق "ترمال"، مقرّه الأساسي، يخلو من شبابٍ، قيل مراراً إن أعدادهم في دورات سابقة أكبر وأهمّ. لكنّ القادمين يومياً إلى الفندق، بدءاً من الصباح الباكر، لشراء "بطاقات دخول"، يعكسون شيئاً من نضارة التواصل مع أفلامٍ، يُعرض بعضها في مسابقات وبرامج مختلفة، للمرة الأولى دولياً. في حين أن نجوماً أميركيين، تحديداً، يكفلون ازدحاماً، ولو مؤقتاً، لما لديهم من جماهيرية كبيرة لدى أبناء البلد.

كاريل أوخ، المدير الفني للمهرجان، يتعامل مع المسألة بواقعية شديدة. يقول إن المهرجان محتاجٌ، فعلياً، إلى الفتنة والبريق والإغراء، لذا فإن إدارته تدعو ممثلين وسينمائيين أميركيين، "لأنهم الأشهر في تشيكيا". يضيف أن المهرجان راغبٌ في دعوة أوروبيين، "لكن بعضهم غير معروف كثيراً في تشيكيا، رغم "نجوميته" في بلده، وللمعروفين ارتباطات والتزامات ومشاريع عمل، لذا يصعب مجيئهم". يُؤكّد أمراً جوهرياً: الموازنة بين رغبات الجمهور ومتطلبات النخبة السينمائية.
"الكرة البلورية" (التكريمية) ممنوحة، في الدورة الـ 52، إلى أوما ثورمون: "للمهرجانات السينمائية الدولية هدفٌ ثقافي مهم للغاية، بالنسبة إلينا جميعنا اليوم. الناس، كما يبدو، ينسون كيفية مشاهدة فيلم، ودعمه. دعم الأفلام والثقافة مهم أيضاً".

بالإضافة إلى التكريم، شاركت ثورمون في العرض الخاصّ بجزأي "اقتل بِلْ" (2003 ـ 2004) لكوانتن تارانتينو: "تأتي نساءٌ إليّ ـ من أولئك اللواتي يتشاركن، ولو قليلاً، أحوال الشخصية التي أؤدّيها، وحكايتها ـ لتقلن لي كم أن الفيلم ساعدهنّ ـ بطريقة أو بأخرى ـ في مسار حياتهنّ؛ أو كيف أنه ـ في لحظة ما كنّ يشعرن خلالها بأنهنّ مضطهدات أو مظلومات، وبأنهنّ في صراع مع الآخر، وبأنهنّ يواجهن شركاء سيئين، أو كنّ يشعرن خلالها بإحباط وانهيار نفسي ـ يمنحهنّ طاقةً وحيويةً ورغبة في الحياة، تساعدهنّ على الاستمرار بشكلٍ كبير. ربما هذا أحد الأجوبة الأكثر إرضاء لي في حياتي المهنية".
كايسي آفلك أحد الأميركيين الـ 3 المُكرَّمين، ومُقدِّم "قصّة شبح" (2017) لديفيد لووري، الذي يُمثّل فيه إلى جانب رووني مارا. آفلك يوافق على لقاءات صحافية، وإنْ تكن قليلة العدد، ومحصورة ببعض النقاد والإعلاميين. دردشات سريعة، لكنها تعكس شيئاً من طبيعة عمله. فيلمه هذا يُعتبر استكمالاً لمشاريع سابقة، جمعته بالمخرج لووري، وبالمنتجين جيمس أم.

جونستن وتوبي هالبرووكس: "تُعجبني هذه الطريقة في العمل. هذا تعاون ثابت. أنجزنا معاً 3 أفلام، ما يؤكّد أن التعاون ثابت بما فيه الكفاية، بالنسبة إلينا. أمرٌ جميلٌ أن تعمل مع أصدقاء. لا يتسنّى لي فرصة كهذه، بسبب السفر الكثير، واللقاءات الدائمة بأناس آخرين ومختلفين. هذا يحرّض على مواجهة تحدٍّ إضافي، يتمثل بإنجاز فيلم جديد، لأن لديك ـ بشكلٍ ما ـ إمكانية تطوير العلاقة بالناس".
عن تعاونه مع ديفيد لووري، يقول آفلك: "هو ليس صارماً. يتواصل مع الآخرين بشكل واضح. يقول ما يريده بصراحة. لديه رؤية، لكنه مرن جداً، ومنفتح على مداخلات يقول بها الجميع، من مصمِّم الأزياء إلى الممثل أو المنتج أو أي أحد آخر "متورّط" في العمل. لم أره يوماً صارماً. مع شخصٍ مثله، ستجد نفسك في معضلة: من جهة، أنت مطالَب (ولو بشكل غير مباشر) بتقديم أفكارٍ له، متمنّياً في قرارة نفسك أن يرفضها، قائلاً لك: "هذا سيئ"، لأنك تُدرك تماماً أن ما تقوله مجرّد فكرة سيئة. لكنه لا يقول هذا".
الأميركي الثالث هو المؤلّف الموسيقي جيمس نيوتن هاورد، الذي يضع الأشرطة الموسيقية للأفلام منذ منتصف سبعينيات القرن الفائت. في لقاء مفتوح مع الجمهور، تحدّث عن سيرته وأعماله وعلاقاته السينمائية، موضحاً أن علاقته بالمخرج مبنية على ما يلي: يُخبره برأيه، ثم يناقشه ويتبادل معه أفكاراً وتصوّرات. لكنه يُدرك أن القرار النهائيّ عائدٌ إليه، "ولو فعلتُ العكس، لأنجزتُ فيلمي". قال أيضاً إن وقتاً طويلاً مرّ في حياته قبل أن يتحرّر من "أناه"، مشيراً إلى أن 10 أعوام مرّت وهو يتعامل مع سينمائيين "ولا أنصتُ أبداً إلى ما يقولونه لي، لأني كنتُ مقتنعاً بأنهم لا يفهمون شيئاً في أمور الموسيقى. كنتُ مقتنعاً بأني أنا صاحب الموسيقى، قبل انتباهي إلى أن هذا كلّه سببٌ لإضعاف القيم الفنية والجمالية لألحاني، وإساءة إلى موهبتي. عندها، بدأتُ أستمع إلى الآخرين، وأتنبّه إلى تبريراتٍ يسوقونها حول حاجاتهم. أخيراً، أدركتُ أنهم هم من يصنع تلك الأفلام، لا أنا".



دلالات
المساهمون