استنساخ الألحان العربية... بين الإبداع الموسيقي والقانون

07 ابريل 2018
اتهام ملحّن أغنية الزغبي الجديدة بالسرقة (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
يتّجه عدد كبير من الفنانين أو الملحنين في العالم العربي إلى الاستسهال في طريقة الألحان الغنائية والموسيقية. فبعضهم يعتمد على نغمات لحنيّة مستهلكة، فيما يُحاول البعض الآخر "السرقة بشكل بسيط"، لا يتنافى مع الرؤية العامة للّحن الأصلي، المفترض أنه جديد.
لكن السؤال هو "لماذا يستسهل بعض المغنين ذلك؟ وما الهدف من اكتشاف الجمهور أغنية يقول عنها الفنان إنها جديدة، لكنها تقع في مصيدة الاستنساخ، أو بعبارة أخرى سرقة بعض النغمات المتكررة من أغنية ثانية؟".


يقول الفنان والموزع الموسيقي، رشيد عليق، في حديث لـ "العربي الجديد"، "نعم هناك استنساخ واضح لبعض الأغاني والجمل الموسيقية في الألحان التي نسمعها. حتى الطفل يستطيع بذكاء اكتشاف مدى التشابه بين لحنٍ وآخر. لا أريد الدخول في تسميات، ولا في عدد الأغاني المستنسخة بعضها عن الغرب، وبعضها عن ألحان عربيّة قديمة أو لمقدمات غنائيّة طويلة، فيما يستسهل البعض إنجاز لحن ضعيف مركب من كمية أغانٍ يسمعها أو تعجبه، غالباً ما تكون مجموعة أغانٍ أجنبيّة ذات إيقاع صاخب".


وحول دور الموزع في ذلك، يُتابع رشيد قائلاً "مؤخراً، أصبح المُلحّن وبعض الموزعين حالةً واحدة. فهم يتفقون على تقاسم الأغنية لما يعود عليهم بالربح. لكنّ عدداً من المغنين يفضلون الموزع المستقل، أو الموزع صاحب الاسم "الضارب" (المعروف)".




قبل أيام، أصدرت المغنية اللبنانية نوال الزغبي أغنية جديدة بعنوان "قالوا". بعد ساعات من إصدارها، خرجت صفحة لناشط يدعى حسن بُرجي يقول فيها إنّ لحن أغنية نوال الزغبي الجديدة مُستنسخ من أغنية لمغن لبناني يُدعى ربيع بارود.



بُرجي وضع الأغنيتين في تعليق واحد ونشرهما على مواقع التواصل الاجتماعي. ويُظهر المنشور التقارب بين الملحّنين محمد عيسى الذي وضع لحن أغنية "تأبيد" لربيع بارود، والملحّن فضل سليمان الذي لحن أغنية نوال الزغبي "قالوا"، واضحاً جداً.




لكن المفاجأة في أن الملحن محمد عيسى وضع بعضاً من موسيقى أغنية بارود في أغنية "تهديد" للمغني السوري وفيق حبيب. ما يعني أننا اليوم أمام ثلاث أغنيات متشابهة لجهة الألحان والمقطع الموسيقي الثاني. ما يحيلنا إلى سؤال "كيف لم ينتبه أيّ من المطربيْن إلى هذا التشابه، أو لم يسمع أحدهما الآخر، مع العلم أن الأغاني صدرت على طريقة فيديو كليب وسبقت إصدار نوال الزغبي أغنيتها الجديدة؟".




هل بالإمكان السماح باستنساخ الأغاني أو شروط لبعض الجمل اللحنية؟ يجيب الموزع الموسيقي رشيد عليق إنّه يمكن "نقل 4 موازير موسيقية كاملة متتالية تكون جملة أو نصف جملة موسيقية من لحن ودمجها في لحن آخر، وليس أكثر من ذلك. وإن ثبت النقل تم تجريم المستنسخ، أو السارق".


من جانبها، تقول المحامية ليال مصيري لـ"العربي الجديد" إنّ سرقة أكثر من أربعة موازير على الأغنية الواحدة، يعتبر فعلاً جنائياً بصفته اعتداءً على الملكية الفكريّة، ويطبق قانون حماية حقوق الملحن أو المؤلف الموسيقى على اللحن أو "النغمات" دون غيره من عناصر العمل الفني. بينما تختلف قوانين حماية الملكية الفكرية من بلد لآخر". وتذهب مصيري إلى تقسيم الاستنساخ إلى ثلاثة بنود السرقة ثم الاقتباس، فتقول: "يتسع مفهوم الاقتباس ليتعدى النقل المجرد لجملة لحنية، فقد يشمل التنويع على جملة في لحن آخر، وقد يذكر المؤلف الجديد هنا أنه ينوّع على اللحن الأصلي لفلان، وهذا لا عيب فيه، وهو أسلوب وتقليد يتبعه بعض العازفين أو الملحنين".


وهذا ما يؤكده عليق، فيقول: "أحياناً كثيرة لا يكون اللحن الأصلي هو الهدف، ولكن قد يتضمن العمل الجديد جزءاً من جملة من عمل آخر تُشتق منها جمل جديدة ذات أبعاد جديدة، وفي هذه الحالة، وكما في حالة النقل، لا يجوز اقتباس أكثر من 4 موازير، وإلا اعتُبر سرقة".


وتحرص المحامية مصيري على توضيح ما يُسمى في القانون "نقلاً بريئاً". إذ يقول نصّ المادة "كل ما تم عن دون قصد أو وعي في حدود ما لم يجرمه القانون واعترف به الناقل، وفي هذه الحالة عليه حذف المنقول أو تغييره حالما علم بذلك، لكن ذلك لا يسقط عنه جناية السرقة إذا وقع في القدر المحظور قانوناً ووجبت عليه العقوبة، وعليه أيضاً حذف المنقول أو تغييره، ولذلك على كل مبدع أن يتحرى لحنه تماماً ويتأكد من خلوه من شبهة السرقة".


وحول وضع بعض الفنانين كلاماً آخر أو بلغة مختلفة على موسيقى لأغنية أجنبية والعكس، فتُشير مصيري إلى وضع كلمات جديدة على لحن كامل لغيره، أو القيام بتغيير في الإيقاع أو الآلات المستخدمة لكن مع الإبقاء على اللحن الأساسي كما هو، وفي هذه الحالة يتعيّن على الناقل الحصول على إذن قانوني من صاحب اللحن الأصلي، إلا إذا كان اللحن قد أصبح ملكية شائعة بالتقادم. وفي الحالتين، يجب ذكر مصدر اللحن الأصلي بالإشارة الواضحة إلى مؤلفه.


هكذا، يعطي القانون رأيه في موضوع الاستنساخ، وكذلك الموسيقيين الذين يعتمدون على القانون، في تخليص أو تقديم تنازلات للمنتج أو حتى لأنفسهم عن أسماء مالكي هذا اللحن، وهم أصحاب حقوق فكرية، ولهم عائدات مالية لا بد أن يحصلوا عليها. لكن في العالم العربي، ثمّة استسهال في تنفيذ القانون وهروب الفنانين من الاعتراف بذلك، أو محاسبة بعضهم على أسلوب الاستنساخ الذي بات معتمداً من قبل كثيرين، من دون الرجوع إلى المهنية، أو تفادي الوقوع في شرك القوانين.
دلالات
المساهمون