أبو بكر خيرت.. معمار للموسيقى العربية

10 ابريل 2020
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العاشر من نيسان/ أبريل، ذكرى ميلاد الموسيقار المصري أبو بكر خيرت (1910 - 1963).


ضمن التصنيف الكلاسيكي، اعتبرت العمارة أكثر الفنون صلابة فيما اعتبرت في المقابل الموسيقى أكثرها سيولة. وفي ما عدا الحديث، بشكل مجازي، عن "معمار" سيمفونية فمن النادر أن يلتقي هذان الشكلان الفنيّان.

من الاستثناءات القليلة التي يمكن ذكرها عن التقاطع بين العمارة والموسيقى، يمكن استحضار تجربة الموسيقار المصري أبو بكر خيرت الذي تحلّ اليوم ذكرى ميلاده التسعين، فقد درس الهندسة المعمارية وامتهنها مصمّماً لعدد من المباني القاهرية مثل مباني "أكاديمية الفنون" وعدة مبان من "جامعة القاهرة"، و"عمارة موبيل" في حي غاردن سيتي، و"مستشفى الكاتب" في الدقي.

لكن انشغال خيرت الأساسي كان ضمن الموسيقي، حيث اجترح خطاً خاصاً به من المؤكّد أنه استفاد من خبراته كمهندس معماري، وهو ما يتجلى بالخصوص في معالجته للتراث، بمعناه الموسع الذي لا ينحصر في ما سُرّب في فضاء جغرافي وحيد، بل يمتد على كل ما يتلقاه الفنان من الماضي، ومن خلال هذه الرؤية كان خيرت قد جمع بين الموروث الفولكلوري المصري والمدونة الموسيقية الأندلسية إلى جانب كلاسيكيات الموسيقى الغربية، ولعلّ أبرز إضافة قدّمها هو صياغته للكثير من النصوص الموسيقية العربية العتيقة ضمن قوالب غربية مثل موسيقى الحجرة والسيمفونية والمتتاليات والسوناتات والرابسودي والكونشرتو، وكان الأول في إنجاز ذلك عربياً.

يُحسب لخيرت أيضاً أنه حاول بجد إحياء الموسيقى الفرعونية من خلال توظيف آلاتها وجمل موسيقية في أعمال كبرى لكن هذا الجهد لم يجد صدى موسّعاً وظلّ محصوراً في دوائر نخبوية، وكانت قليلة العروض التي قُدّمت ضمن هذا الإطار، ولولا التسجيلات الإذاعية لبعض الأعمال لاندثر جهد خيرت في هذا المضمار.

وبشكل عام، بقي الموسيقار المصري معترفاً به فقط ضمن الدوائر الأكاديمية الموسيقية، حيث بقي في الظل مقارنة بمجايليه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وقد يكون سبب ذلك عدم تعاطيه مع عالم الأغنية الذي تُختزل ضمنه الموسيقى في التقبّل العربي وقتها، وهو ما لم يتغيّر بشكل جذري إلى يومنا هذا، ولعل التجربة الوحيدة التي يمكن اعتبار أنها استندت إلى مشروع صاحب "السيمفونية الشعبية" هي لابن أخيه عمر خيرت، ولولا الحضور السينمائي ربما عرفت هذه التجربة المصير نفسه.

المساهمون