مصير الأسد ودمج المنصات أبرز تحديات المعارضة السورية بـ"الرياض2"

15 نوفمبر 2017
محاولات لإبعاد رياض حجاب عن المشهد (Getty)
+ الخط -
تواجه المعارضة السورية جملة تحديات في ظل تطورات سياسية وعسكرية متلاحقة فرضت على هذه المعارضة، بكل تياراتها، إجراء قراءات واقعية و"مؤلمة" لمشهد دولي متحول تحكمه مصالح دول تدفع باتجاه تعتبره المعارضة مساساً مباشراً بثوابت الشارع السوري المعارض الذي لا يزال يدفع دماً ثمناً لتناقضات إقليمية ودولية وجدت في الجغرافيا مسرحاً لصراع إرادات.
ولم تعد المعارضة السورية تملك أوراق قوة سياسية وعسكرية تمكنها من فرض رؤيتها للحل المنتظر، خصوصاً أن "التراخي" و"عدم اليقين" هو العنوان البارز للسياسة الأميركية حيال الملف السوري الذي خلق فيه الروس والإيرانيون ما يصعب تجاوزه، إلا في حال الانخراط الأميركي المباشر والضاغط في مسار مفاوضات جنيف، وممارسة ضغوط أكبر على الجانب الروسي لـ"تليين" موقف النظام الذي لا يزال يصر على الحسم العسكري، وإعادة الوضع في سورية إلى ما قبل مارس/ آذار من عام 2011 وهو العام الذي بدأت فيه الثورة السورية.
في ظل هذه الأجواء تتجه المعارضة إلى عقد اجتماع موسع لها في الرياض، اصطلح على تسميته الرياض2، في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية السعودية، أول من أمس الاثنين. وأشارت الخارجية في بيانها إلى أن المؤتمر يستمر حتى الرابع والعشرين من الحالي "بهدف التقريب بين أطراف المعارضة السورية، ومنصاتها، وتوحيد وفدها التفاوضي لاستئناف المفاوضات المباشرة في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة".
وتهدف الهيئة العليا للمفاوضات من وراء عقد المؤتمر إلى "توسيع قاعدة التمثيل"، من خلال مشاركة "أوسع طيف من الشخصيات الوطنية السياسية والعسكرية والثورية، ومن ممثلي المجتمع المدني، وتشمل أطياف الشعب السوري كافة" في المؤتمر.
كما يهدف المؤتمر إلى إجراء تغييرات جوهرية في هيكلية الهيئة التي انبثقت عن مؤتمر "الرياض 1" أواخر عام 2015، والذي صدر عنه بيان بات من أهم الوثائق السياسية للمعارضة السورية، ونص على إجراء مفاوضات مع النظام تنتهي بحل يقوم على انتقال سياسي وفق قرارات دولية، أهمها بيان "جنيف 1"، يؤدي إلى إنشاء دولة تعددية ديمقراطية في سورية. لكن التحدي الأبرز أمام المعارضة السورية هو في تشكيل وفد واحد وموحد يضم الهيئة العليا للمفاوضات، ومنصتي "القاهرة" و"موسكو"، كما يريد الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، والذي لمّح أخيراً إلى أن استئناف التفاوض مرتبط بذلك. وأشار مصدر رفيع المستوى في الائتلاف الوطني السوري، فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن الائتلاف لم تصله حتى ظهر أمس، الثلاثاء، دعوة من الخارجية السعودية لحضور المؤتمر، لكنه أوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أغلب الذين حضروا الرياض1 من المتوقع حضورهم مؤتمر الرياض2 إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة، وشخصيات مستقلة غير مرتبطة بتيارات سياسية". وكشف المصدر عن أن أمام المؤتمر "تحديات جمة"، أبرزها إعادة النظر في بيان الرياض1 والذي نص على استبعاد بشار الأسد عن السلطة في المرحلة الانتقالية، مضيفاً: هناك توجه دولي للإبقاء على بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، ويضغط علينا للموافقة على ذلك تحت ذريعة قراءة الموقف الدولي والتطورات المتلاحقة قراءة واقعية.
وأكد المصدر أن الائتلاف الوطني السوري والفصائل العسكرية لن يوافقوا على أي نص جديد يشير صراحة إلى ذلك، "وفي حال تم فرض ذلك سننسحب من المؤتمر".
في موازاة ذلك، رجح المصدر بقاء رياض حجاب منسقاً عاماً للهيئة العليا للمفاوضات "في حال تم التوافق على المتغيرات". وأوضح المصدر أن هناك توجهاً لزيادة عدد أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات إلى 51 عضواً على أن يكون أعضاء الوفد المفاوض في جنيف من ضمنهم. وأشار إلى أن "توحيد وفد المعارضة المفاوض، والموقف من مسألة بقاء بشار الأسد في السلطة أهم ملفين في المؤتمر"، مشدداً على أن الائتلاف "لن يقبل المسّ بثوابت الثورة تحت ذريعة الواقعية السياسية"، وفق المصدر.
وبدأ يظهر تيار في المعارضة السورية لا يرى بأساً في ترحيل مسألة بقاء بشار الأسد في السلطة إلى مراحل لاحقة، والشروع في التوصل لحل سياسي يتضمن تغيير الدستور أو اعتماد دستور عام 1950، خلال المرحلة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات من الممكن مشاركة الأسد فيها.
لكن هذا التيار يجد مواجهة من تيار أقوى يقوده المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، يرى أن أي حل لا يتضمن استبعاد الأسد من السلطة هو بمثابة استسلام وتبرئة للأسد وأركان حكمه من جرائم ارتكبوها خلال سنوات، وأدت إلى مقتل وتشريد الملايين وتعريض البلاد للاحتلال والتقسيم. ويعد هذا الأمر جوهر الخلاف مع منصة "موسكو" التي تصرّ على حق بشار الأسد في الترشح في أي انتخابات، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال المرحلة الانتقالية بدل هيئة حكم كاملة الصلاحيات كما ترى الهيئة العليا للمفاوضات.
كما ترى منصة موسكو أن دستور عام 2012 يحكم المرحلة الانتقالية، وكل ذلك يأتي اتساقاً مع الرؤية الروسية للحل القائمة على إعادة تأهيل النظام برمته، وتنصيب بشار الأسد مرة أخرى رئيساً للبلاد، كونه الضامن لمصالحها ومصالح إيران في شرقي البحر الأبيض المتوسط. وتبدو منصة "القاهرة" أقرب إلى الهيئة العليا منها إلى منصة "موسكو"، لكنها تطالب بتعديل بيان الرياض1 واعتماد نص يدعو الى إقامة دولة مدنية في محاولة لاستبعاد تيارات تحسب على "الإسلام السياسي" من أي انتخابات مقبلة.
وتحاول جهات إقليمية ودولية، إضافة للموفد الأممي إلى سورية، إبعاد رياض حجاب من المشهد السياسي ودفع شخصية أخرى "أكثر مرونة" في التعاطي مع المفاوضات، حيث يُتهم حجاب بـ"التشدد"، فيما يرى فيه الشارع السوري المعارض معبّراً عنه، خصوصاً لجهة عدم منح بشار الأسد وأركان حكمه "صك براءة" عن سلسلة جرائم وثقتها الأمم المتحدة، أبرزها استخدام السلاح الكيميائي لقتل آلاف المدنيين.
كما يعتبر حجاب الوجود الروسي في سورية "احتلالاً" لا تهاون فيه، وهو ما يثير حفيظة موسكو التي حاولت أكثر من مرة "سحب البساط السياسي" من تحت حجاب من خلال "مغازلة" آخرين، إلا أنها فشلت في مسعاها. وتدرك الهيئة العليا للمفاوضات أن لديها ورقة قوة واحدة وهي أن أي اتفاق سياسي لا يحظى بموافقتها لن يصمد في سورية، وأن استبعادها من المشهد يُبقي الصراع مفتوحاً على كل الاحتمالات، وخاصة أن الحسم العسكري بات في حكم المستحيل ويرتب على حلفاء النظام (الروس والإيرانيين) أعباء طويلة الأمد في ظل مشهد إقليمي متقلب.
المساهمون