الاتحاد التونسي للشغل... ابتعاد عن الحكومة لا عن السياسة

25 يونيو 2016
يعتبر الاتحاد أن دوره الدفاع عن حقوق العمال(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
يُعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل لاعباً رئيسياً في تونس. كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ الرابع عشر من يناير/كانون الثاني 2011 اختلفت مع القيادات النقابية، لكن كل هذه الحكومات بما في ذلك "الترويكا" لم تتجاهل الاتحاد، ولم تقرر قطع العلاقات معه على الرغم من شدة الخصومة، لأنها كانت تدرك أن ذلك من شأنه أن ينتهي إلى وضع البلاد في حالة شلل تام. لهذا السبب، يحرص الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي على إشراك الاتحاد في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة، اعتقاداً منه بأن وجود من يمثّل أكبر النقابات في تونس شرط أساسي لضمان نجاح الحكومة المقبلة.

لكن قيادة الاتحاد أعلنت بوضوح في وثيقة رسمية أنّ الاتحاد "ليس معنيّاً بالتواجد لا من قريب أو من بعيد في أيّة حكومة كانت، وذلك انطلاقاً من مسؤوليته الوطنيّة والدور الاجتماعي المنوط به، والذي ضحى من أجله أجيال من النقابيين عبر دفاعهم المستميت عن استقلالية منظمتهم". فالنقابيون يعتقدون بأن دورهم ليس ممارسة الحكم، ولكن مهمتهم تعديل السياسات والدفاع عن حقوق العمال. لكن هل صحيح أنهم يتحركون خارج دائرة الفعل السياسي؟ أم أنهم يؤثرون حالياً في السياسة بشكل غير مسبوق؟
لا تعني عدم مشاركة الاتحاد بشكل مباشر في الحكومة أنه سيكون خارج اللعبة السياسية، والدليل على ذلك أن الأمين العام للاتحاد حسين العباسي لم يغب عن أي اجتماع للحوار الذي يُشرف عليه رئيس الجمهورية. كما أن قيادة الاتحاد تدخّلت بحماسة لإقناع الرئاسة بضرورة توجيه الدعوة إلى الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري للالتحاق بجلسات الحوار، وذلك على الرغم من الانتقادات الشديدة التي وجّهتها "الجبهة" لمضمون المبادرة الرئاسية وآلياتها. فـ"الجبهة"، وإن اعتبرت أن الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية إيجابية لكونها أقرت بفشل حكومة الحبيب الصيد، إلا أنها شكّكت في مصداقيتها، واعتبرت الهدف منها هو "إنقاذ الائتلاف الحاكم وليس إنقاذ البلاد"، كما ورد على لسان زياد لخضر أحد قادة الجبهة.


وعلى الرغم من رفض اتحاد الشغل الانخراط المباشر في الحكومة المقبلة، فإن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تدفعه إلى القيام بدور سياسي هام في هذه المرحلة؛ أول الأسباب أن قيادة الاتحاد، من خلال مشاركتها في الحوار، تريد أن تبقى في الصورة، لكي تطّلع على تفاصيل ما يجري، وحتى تكون في موقع قوي يسمح لها بالتدخّل مباشرة في صناعة القرارات الكبرى، وأحياناً حتى في بعض القرارات الصغيرة. وهي تعمل على أن تكون شريكاً قوياً في تحديد الاختيارات الأساسية لضبط وتوجيه القطاعات المركزية، وبالأخص الاقتصادية والاجتماعية والتربوية. أما ثاني الأسباب، فهو أن الاتحاد متخوّف من مسألة الهدنة الاجتماعية التي طرحها الرئيس التونسي في مبادرته، إذ اعتبر أن البلاد في حاجة مؤكدة لفترة استقرار اجتماعي لا تقل عن سنتين. ويعود خوف القيادة النقابية من هذه المسألة نظراً لقرب موعد المؤتمر العام للاتحاد الذي سيشهد تنافساً حاداً بين الكتل النقابية الرئيسية، إلى جانب الصراع الحاد الذي سيندلع من أجل خلافة الأمين العام حسين العباسي، الذي أصر على احترام القانون الداخلي الذي يمنع تجديد الترشح للأمانة العامة لفترة تتجاوز الدورتين. وفي الأجواء الانتخابية تكثر المزايدات، ويتصاعد خطاب المرشحين من أجل كسب الأصوات في صفوف القواعد. لكن في الوقت نفسه، أصبحت مسألة الهدنة الاجتماعية ملحّة جداً في بلد يمر بمرحلة ترنّح قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل.

إضافة إلى ذلك، فإنّ هدفاً ثالثاً يبرز في مسعى اتحاد الشغل للقيام بدور سياسي، وهو أن قيادة الاتحاد حريصة على إبداء رأيها في أسماء المرشحين، سواء لرئاسة الحكومة المقبلة، أو للوزارات ذات الصلة بالقطاعات الاجتماعية أو المؤثرة فيها مثل المالية والاقتصاد. وتفيد المعلومات بأن الشوط الأخير من الحوار الذي أطلقته رئاسة الجمهورية سيُخصص للأسماء البديلة، ويُتوقع أن يكون الأكثر صعوبة وتعقيداً في هذا الحوار. وبطبيعة الحال، كلما كان المرشحون يحظون بثقة اتحاد الشغل ساعد ذلك على طمأنة النقابيين، وفي المقابل كلما كانوا أكثر بُعداً عن الاتحاد وأكثر ليبرالية فإن ذلك يشير إلى مواجهات ستكون حادة بين الطرفين.

وبالتالي يتبين أن دور اتحاد الشغل سيكون سياسياً بامتياز، سواء شارك في الحكومة أو لم يشارك. وعلى الرغم من أن دوره يدخل في خانة التعديل والتأثير، فإن ذلك لن يقتصر فقط على المجال الاجتماعي، بل سيشمل أيضاً المجال السياسي ولو بصيغة غير مباشرة. من هذا المنطلق طلب الاتحاد بوضوح من الحكومة المقبلة في رسالة مكتوبة، "الالتزام بتبني خطاب إيجابي يبتعد عن شيطنة الاتحاد ومعاداة النقابيين". كما دعاها إلى "الالتزام بنهج التشاور المسبق مع كافة الأطراف الاجتماعيّة والسياسيّة قبل تمرير مشاريع القوانين إلى مجلس النواب وذلك تفادياً لأي اختلالات". هذه هي المعادلة التونسية التي أفرزتها مرحلة ما بعد الثورة، والتي تتسم بالصعوبة والثراء والهشاشة في الوقت نفسه.