استفتاء كتالونيا والطلاق الممنوع: وحدة أوروبا على المحكّ

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
30 سبتمبر 2017
D5430F9D-4B3F-4273-B218-900C442162B3
+ الخط -
لم تنجح بعد إجراءات الحكومة المركزية في العاصمة الإسبانية مدريد، في وقف استعدادات استفتاء انفصال كتالونيا، المقرر يوم غد الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول، رغم القرارات القضائية المتلاحقة وحملات مداهمة 30 بلدية في الإقليم، ومقارّ صحف انفصالية، ومصادرة 10 ملايين بطاقة اقتراع و1.5 مليون ملصق انتخابي، واعتقال 14 من قادة الانفصال ثم إطلاق سراحهم. لم ينجح ذلك، قبل ساعات قليلة من موعد مفترض لفتح صناديق الاقتراع في إقليم كتالونيا، في وقف خطوات الإقليم في مناسبة قد تكون الأكثر حساسية في تاريخ إسبانيا الحديث، والأكثر إزعاجاً للاتحاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة. في الخطوات الميدانية لعملية الاقتراع، تبدو حكومة الإقليم، جاهزة نظرياً لليوم الطويل مع أن الحكومة في مدريد، جزمت، عصر أمس الجمعة، بأنه "لن يحصل استفتاء يوم الأحد في إقليم كاتالونيا". كلام رد عليه مسؤولو الإقليم من رئيسه كارليس بيغدمونت في حوار مع وكالة "رويترز" أمس، ونائبه أوريول خونكيراس في تصريح نقلته "أسوشييتد برس"، وكلاهما جزما بأن الاستفتاء حاصل يوم الأحد.

وعلى الرغم من محاولات مدريد منع الاستفتاء، إلا أن حكومة كتالونيا، نجحت بإخفاء صناديق الاقتراع، التي ستُنشر في 2700 مركز للتصويت. ورفضت شرطة الاقليم ضرب عملية التصويت، محجمة عن تنفيذ قرار المحكمة العليا في وقف العملية برمّتها. وحسم المتحدث باسم الحكومة الكتالونية جوردي تورول، الوضع بقوله إن "كل التركيز ينصب في اتجاه إجراء الاستفتاء، والتهديدات باعتقال رئيس كتالونيا (كارليس بيغدمونت) محض هراء. والاستفتاء سيُجرى في موعده"، وذلك رغم إصرار رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي مراراً على أن الاستفتاء لن يحدث، وأن حكومته والسلطة القضائية في البلاد قد اتخذتا إجراءات عدة في محاولة لمنع المضي قدماً في إجراء الاستفتاء.

ومع ذلك، فإن التظاهرات والصوت القوي للانفصاليين في كتالونيا، لا يعني بأنهم يُشكّلون أكثرية مرجّحة في تحقيق انفصال الإقليم عن إسبانيا. بيغدمونت يدرك ذلك، بقوله في مقابلة مع محطة "فرنسا إنتر" الإذاعية، إنه لا يستطيع تأكيد "ما إذا كانت غالبية الكتالونيين يؤيدون استقلال الإقليم"، لكنه لا يزال "واثقاً" من أن 80 في المائة من الناخبين سيكونون على استعداد للتصويت.

يشير رصد الأجواء العامة في الإقليم، إلى أن غالبية السكان يؤيدون مبدأ الاستفتاء بحدّ ذاته، لكنهم لا يجمعون على إرادة الاستقلال عن إسبانيا. النتائج الأخيرة للانتخابات المحلية والتشريعية دلّت على ذلك، فضلاً عن أن "الأكثرية الصامتة" في الإقليم، لم تقم بأي خطوة جماهيرية، مكتفية بانتظار فتح صناديق الاقتراع، للإدلاء بصوتها. أرقام استطلاع "معهد كتالونيا الحكومي" في يوليو/تموز الماضي، كانت واضحة: 41.1 في المائة من سكان الإقليم يريدون الاستقلال في حين يعارضه 49.4 في المائة. ومع أن المعهد "حكومي" وتابع لمدريد، إلا أنه يكفي للدلالة على حدّة التنافس بين وجهتي نظر الانفصال والوحدة.

في هذا السياق، يقول أحد الناخبين الكتالونيين، لويس فيلغويراس، المعارض للانفصال، لوكالة "فرانس برس" إن "الانفصاليين يدّعون أنه بعد الاستقلال كل شيء سيصبح جميلاً، لكنني أعتقد بأن الوضع سيغدو أكثر تعقيداً، لأنه سيترتب علينا المزيد من الإنفاق. وسوف نرى تأثير ذلك على الاقتصاد، والشركات، ورواتب التقاعد". ويشير فيلغويراس، الذي يقطن منطقة تاراغونا في كتالونيا، إلى أنه "هناك الكثير من الأشخاص الذين يشاركونني الرأي لكنهم لا يجرؤون على التعبير عن ذلك".



بدوره يبدي العمدة الاشتراكي روك مونيوز، الذي ترأس منطقة تاراغونا لمدة 20 عاماً، اعتقاده بأن "الناس لديهم ما يكفي من الصراع الذي استمر منذ عام 2012"، لافتاً في حديثٍ لوكالة "فرانس برس" إلى أن "الناس هنا لا يؤيدون ذلك. ولدينا وضع اقتصادي نحسد عليه، والمواطنون لا يحتاجون إلى مغامرات ولا إلى كتالونيا العظيمة والمستقلة". وعلى غرار العديد من رؤساء البلديات الاشتراكية الذين يعارضون الاستفتاء، يرفض مونيوز تخصيص مبان رسمية كمراكز اقتراع. مع ذلك تستمر التظاهرات الصاخبة للانفصاليين، وسط صمت المعارضين في الإقليم.

في المقابل، فإن استفتاء كتالونيا سيُشكّل "فاتحة" ربما، لسلسلة طويلة من الصخب الاسباني الداخلي، مع دعوة رئيس إقليم الباسك الإسباني إينيو أوركولو، الحكومة الإسبانية إلى "الاعتراف بسكان كتالونيا والباسك، والسماح لهما بإجراء استفتاء تقرير المصير، وفق نموذجي اسكتلندا وكيبيك"، داعياً إلى الحوار انطلاقاً من أن "نقطة البداية هي الاعتراف بوجود شعبين وهما الباسك وكتالونيا يريدان أن يقررا مصيرهما ديمقراطياً وبحرية". ولم يكد أوركولو ينهي كلمته، حتى دخلت جماعة "إيتا" الانفصالية الباسكية، على خط الأزمة، منددة بما أسمته "ردّ مدريد على طموحات مؤيدي استقلال كتالونيا".



واعتبرت الجماعة أن "الدولة الإسبانية هي سجن للشعوب حين تنفي الهوية الوطنية لبلاد كتالونيا". ورأت "إيتا"، التي يُنسب إليها مقتل 829 شخصاً، على الأقل، خلال حربها من أجل استقلال الباسك ونافار، أن "الأزمة، التي افتعلتها إسبانيا بسبب الاستفتاء، تثبت أن لديها مشكلة هيكلية، فبعد أربعة عقود، كشف نظام 1978، تاريخ تبني الدستور، عن وجهه الحقيقي".

وجود "إيتا" في الواجهة لناحية إبداء رأيها في الاستفتاء، مؤشر على قوميات عدة تهدّد إسبانيا، وبالتالي أوروبا. فعدا كتالونيا والباسك، فإن أقاليم كالكناري وغاليزيا وأراغون والأندلس قد تقترح القيام باستفتاءات مماثلة. وكما أن التشابك الأوروبي حتميٌّ بالنسبة لأبناء القارة العجوز، مع تجلّي ذلك أثناء الانتخابات الأخيرة، من تشريعية ورئاسية، في عددٍ من الدول الأوروبية. فكان الحديث عن "دومينو" انتخابي، إن بدأ فلن يتوقف، وإن توقف فلن يستمرّ. "الدومينو" كان عبارة عن نموّ الأجنحة اليمينية المتطرفة في هولندا والنمسا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واسكندنافيا، فكانت نتيجة الانتخابات الرئاسية النمسوية في العام الماضي، ورغم محدودية دور الرئيس في فيينا ومحدودية الدور النمسوي أوروبياً، قياساً على فرنسا وألمانيا، إلا أن سقوط مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر، أمام المرشح المدعوم من اليسار والخضر، ألكسندر فان دير بيلين، كان كافياً لوقف المدّ اليميني المتطرف في مختلف أرجاء القارة الأوروبية.



المعادلة نفسها تسري على استفتاء كتالونيا، كما سرت سابقاً على استفتاء اسكتلندا 2015. في غلاسكو، رفض الاسكتلنديون بنسبة 52 في المائة في مقابل 48 في المائة الاستقلال عن بريطانيا، ما أدى في حينه إلى وقف الاندفاعة "الاستقلالية" لعددٍ من الدويلات القومية في القارة. اليوم، تنتظر تلك الدويلات مآل استفتاء كتالونيا، للإقدام أم الإحجام، عن القيام بخطواتها. ومن هذه الدويلات، جزيرة كورسيكا الفرنسية، واسكتلندا بالذات، على خلفية الرغبة في العودة إلى الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا. وأيضاً بعض مناطق البلقان، كالأقلية الصربية في البوسنة والهرسك، الراغبة في الانفصال كما كوسوفو ومونتينيغرو. ومن شأن الخطوة أيضاً أن تهدّد مصير الأراضي الأوكرانية، في حال انفصال الشرق، تحديداً لوغانسك ودونيتسك، عن كييف.

في ظلّ كل هذا، ترفض أوروبا استقلال كتالونيا، ورغم رغبتها في وجود اسكتلندا في صفوفها، إلا أنها لن تعادي بريطانيا من أجل جارتها الشمالية. ويبرز دور الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في هذا السياق، مع إعلانه خطوات جديدة لإصلاح الاتحاد الأوروبي، وإعادة تجديد دمائه، بتقديم سلسلة من الاقتراحات في القمة الرقمية الأوروبية المنعقدة في تالين الإستونية، ومنها "تخصيص وزير وميزانية لمنطقة اليورو يشرف عليهما برلمان لهذا التجمّع"، في إشارة إلى مزيد من الترابط المالي في بلدان القارة المشتتة بفعل الأزمة الاقتصادية التي حصلت عام 2008 والأزمة اليونانية وقضية اللاجئين. وأيضاً يدعو ماكرون إلى "إنشاء قوة أوروبية مشتركة للتدخل بحلول 2020"، بما يعني تشكيل جيش أوروبي، برزت ملامحه منتصف العام الماضي، في ظلّ تأكيدات بريطانية أن رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، عمل على ذلك. ومع بروز رفض عسكري بريطاني في ذلك الحين له، فإن المشروع وُضع جانباً، قبل خروجه أخيراً، في ظلّ وجود بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي. ويدعو ماكرون أيضاً إلى "فرض رسوم على المجموعات الرقمية العملاقة مثل آبل وغوغل بناء على رقم الأعمال في كل بلد أوروبي بدلاً من الأرباح، لمكافحة التهرب الضريبي". ومن الطبيعي أنه في ظلّ هذه الاقتراحات أن تُصبح الاستفتاءات القومية، هدفاً للداعين إلى تشديد الوحدة الأوروبية.

مهما كانت نتيجة يوم الأحد، فإن كتالونيا ستكون معياراً لمرحلة أوروبية جديدة، تدخل معها القارة مرحلة مستقبلية بقيادة ألمانية ـ فرنسية مشتركة، تضع حداً لنفوذ روسي متنامٍ في الشرق، وتعرقل التمدّد الأميركي بقيادة دونالد ترامب من جهة الغرب باتجاه البلطيق. كما ستكون نتيجة الاستفتاء، فرصة لقوميات أوروبا، للعدول عن اتخاذ المزيد من إجراءات الانفصال أو الاستمرار في الاتحاد الأوروبي، الذي تجاوز مخاطر اليمين الصاعد، متجهاً إلى تأمين الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني لدوله.​


ذات صلة

الصورة
جولي من أساطير برشلونة (العربي الجديد/Getty)

رياضة

يُعتبر النجم الفرنسي لودوفيك جيولي من أبرز اللاعبين في تاريخ نادي برشلونة الإسباني لكرة القدم، وقد حل اللاعب السابق لمنتخب الديوك ضيفا على "العربي الجديد".

الصورة

رياضة

ساءت علاقة النجم الأرجنتيني، ليونيل ميسي بناديه باريس سان جيرمان على ضوء تصرفاته في الفترة الأخيرة، إضافة للخروج من دوري أبطال أوروبا وسلسلة نتائج سلبية بالدوري المحلي.

الصورة
Iturralde Gonzalez

رياضة

كشف الحكم الإسباني السابق إدواردو إيتورالدي غونزاليس، في حديثه مع "العربي الجديد"، عن مواضيع عديدة، بينها أحداث دارت في الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، وكذلك أصعب مواجهة قادها.

الصورة

سياسة

أعلنت رئيسة بلدية برشلونة، أدا كولاو، قطع العلاقات الرسمية للمدينة مع الاحتلال الإسرائيلي، متهمة إياها بارتكاب "جريمة الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني".
المساهمون