تونس... الحزب قبل الوطن

23 نوفمبر 2015
أحزاب تتصرف وكأنها لا تدرك حجم المخاطر على تونس(Getty)
+ الخط -
يصل الأمر أحياناً إلى فهم المشهد السياسي التونسي على أنه مشهد "سكيزوفريني" يشوبه انفصام في الشخصية، يتراوح فيه الأبيض والأسود في الوقت نفسه، وينقل التونسيين بين أحاسيس متناقضة سبّبت ارتباكهم، في محاولة فهم وتقييم ما يجري من حولهم. وعلى الرغم من نجاحات حقيقية وكبيرة، خلال الأسبوع الماضي، بقيت في الحلق مرارة، رافقت كل هذه الإنجازات لحظة بلحظة وانتهت يوم السبت بحلقة هزلية جديدة من مسلسل حزب نداء تونس. فقد تمكن الأمن من تفكيك خلايا إرهابية وإفشال مخططات جهنمية كانت تستهدف عدداً من المدن بشكل متزامن، وأُلقي القبض على انتحاري كان يتوجه الى شارع بورقيبة، وتم إيقاف مجموعة على علاقة بقتل الطفل الراعي... وفي الأسبوع عينه، تمكن نواب الشعب من تجاوز أسبوع صعب، وأقرت تونس للمرة الأولى في تاريخها محكمة دستورية صوّت عليها النواب بتوافق واسع، على الرغم من خلافاتهم المعقولة سياسياً وديمقراطياً.

غير أن اللافت هو ما بقي من كل هذه الأحداث، وقد عكس هوٓس النواب والأنصار بأحزابهم، والانتصار لها قبل المصلحة العامة، من دون تردد أو احتشام، وخلّفت بمناسبة المحكمة الدستورية خلافاً بين النهضة وحزب آفاق، رغم انتمائهما معاً إلى الائتلاف الحاكم. وجاء رد التونسيين على الحكومة قاسياً حين اعتبرت نسبة كبيرة جداً من المواطنين أن الحكومة مقصرة في حربها على الإرهاب. وانتهى الأسبوع بخلافات "ندائية" مزعجة بين شقين متصارعين تناسيا مصلحة البلاد ووضعها الحرج، وأصر كل منهما على مصلحته الشخصية وعلى موقف الانقسام، رغم كل التحذيرات من ارتداده الكبير على الحكومة والبرلمان والبلاد التي تبحث عن خيط أمل في محيط متفجر.

تكفي نظرة سريعة على صفحات الأحزاب ومواقعها الإلكترونية، لتكتشف انتصار كل حزب لوزيره في الحكومة. وبمجرد انتقاد أي منهم، يسارع نوابه أو أنصاره للدفاع عنه في مختلف المنابر الإعلامية. بقيت الحكومة يتيمة تنهال عليها السهام من كل صوب، لا أحد يهتم لشأنها رغم استنادها على أرضية سياسية واسعة حسابياً، غير أن المواقف المتلاحقة بيّنت أن الحزب أهم من الدولة، وقبل الوطن.