غموض الاتفاق الروسي التركي

08 مارس 2020
تباعد في الرؤئ بين تركيا وروسيا بشأن إدلب (Getty)
+ الخط -
يبدو الاتفاق الذي توصل إليه كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن إدلب، والذي دخل حيّز التطبيق في السادس من شهر مارس/آذار الحالي، بروتوكولاً إضافياً لاتفاق سوتشي. ظهر هذا التفاهم غير متوافق مع المطالب التركية المعلنة والتصعيد العسكري الذي قامت به أنقرة في إدلب منذ بداية العام الحالي. كذلك فإنّ الصيغة التي خرج بها الاتفاق أغفلت الكثير من النقاط الجوهرية التي لا تزال عالقة، دون الإشارة إلى كيفية حلها.
ما جرى التوصل إليه لم يُشِر إلى مصير النقاط التركية التي لا تزال محاصرة من قبل قوات النظام والتي أنشأتها تركية تطبيقاً لاتفاق سوتشي، وحشدت عسكرياً من أجل إعادة قوات النظام إلى ما ورائها. كذلك إن التفاهم الجديد، الذي قضى برقابة روسية تركية مشتركة على طول الطريق أم 4، بطول 70 كيلومتراً ومسافة ستة كيلومترات شمال الطرق، ومثلها جنوبه، سيجعل كل مناطق جبل الزاوية التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة والواقعة جنوب الطريق محاصرة ومجهولة المصير، بسبب انقطاعها كلياً عن مناطق سيطرة المعارضة شمال الطريق، هذا فضلاً عن عدم تطرق الاتفاق إلى الطريق أم 5 الواصل بين دمشق وحلب بعد سيطرة قوات النظام عليه خلال الحملة الأخيرة، التي حشدت تركيا أكثر من 15 ألف مقاتل وآلاف المعدات العسكرية لاستعادتها، وأعطت النظام مهلة انتهت بداية الشهر الحالي من أجل الانسحاب حتى حدود اتفاق سوتشي، أي من جميع المناطق التي سيطر عليها خلال حملته الأخيرة.
عدم وضوح التفاهمات ومحدودية نقاطها يوحيان بعدد من المؤشرات. فمن ناحية، تظهر تراجعاً كبيراً في الموقف التركي تجاه ما أعلنته تركيا، واعترافاً ضمنياً من قبل أنقرة بالمناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً. هذا الأمر قد يستوجب لاحقاً وضع حلّ للنقاط التركية المحاصرة وربما انسحابها َمن تلك المناطق، وكذلك التوصل إلى تفاهمات بشأن مناطق سيطرة المعارضة التي حوصرت بموجب هذا الاتفاق. ومن ناحية أخرى، يوحي الاتفاق بأنه آني لكسب الوقت ريثما يجمع كل طرف نقاط القوة التي يمتلكها من أجل فرض حل في منطقة إدلب يتوافق مع مصالحه. روسيا، التي تقود النظام للسيطرة على كل محافظة إدلب، قد تستثمر هذا الاتفاق بتثبيت النقاط التي وصلت إليها بانتظار الفرصة للقيام بعملية قضم جديدة. أما تركيا، فتراهن على موقف أكثر جدية من شركائها في حلف شمال الأطلسي من أجل القيام بخطوة، ربما تمكنت من خلالها من وضع حد للتعنت الروسي واستعادة بعض المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً بشكل يحفظ هيبتها، وخصوصاً أنها توظف ورقة المدنيين في إدلب الذين لوّحت بفتح الحدود أمامهم إلى أوروبا، وهي خطوة لم تقم بها تركيا حتى الآن. وبالتالي إن الغموض الذي لا يزال يحيط بالاتفاق التركي الروسي، ربما كشفت عنه التطورات في المستقبل القريب، خصوصاً لجهة تطور مواقف داعمة من قبل حلفاء تركيا، أو لجهة التوصل إلى توافق روسي تركي في الملف الليبي ربما من شأنه أن يؤدي إلى مرونة من كلا الطرفين قد تؤدي إلى توافق أكثر شمولية.

المساهمون