عُقَد الهدنة السورية... استحالة تحديد المناطق تعرّض المعارضة للاستهداف

24 فبراير 2016
المعارضة تخشى من استمرار القصف الروسي لها (مصطفى سلطان/الأناضول)
+ الخط -
تطرح شروط الهدنة في سورية بين المعارضة والنظام، التي صاغتها كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية، العديد من المخاطر والمخاوف التي من المحتمل أن تتسبّب بتهديد للمعارضة في المناطق التي تسيطر عليها. ولم تأت هذه الهدنة لتعالج المخاوف لدى المعارضة السورية التي وردت في بيان ميونخ، من أن تُستخدم الهدنة كوسيلة للقضاء على فصائل الجيش السوري الحر بحجة استهداف التنظيمات الإرهابية، وذلك على الرغم من الترحيب الدولي بها، والموافقة الحذرة من المعارضة والملغومة من النظام.

فقد كانت لافتة، أمس الثلاثاء، موافقة حكومة النظام السوري المفخخة على "وقف الأعمال القتالية، على أساس استمرار الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب ضد داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها وبتنظيم القاعدة، وفقاً للإعلان الروسي الأميركي"، كما جاء في بيان لوزارة خارجية النظام نشرته وكالة "سانا". وأكدت الحكومة "تمسّكها بحق قواتها المسلحة بالرد على أي خرق تقوم به هذه المجموعات ضد المواطنين السوريين أو ضد قواتها المسلحة".

كما رحّبت أنقرة باتفاق وقف إطلاق النار، وأعرب نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة نعمان قورطولموش، عن أمله في أن تستمر الهدنة بشكل إيجابي، مضيفاً: "نأمل ألّا تقوم جهات بإرسال طائراتها وقصف المدنيين الأبرياء خلال سريان وقف إطلاق النار". ولفت قورطولموش، في مؤتمر صحفي في أنقرة أمس، إلى أن "هدنة وقف إطلاق النار المذكور، لا تشبه مثيلاتها في السابق، ونأمل أن تكون قابلة للتطبيق". في مقابل هذا الترحيب، التزمت إيران الصمت تجاه اتفاق الهدنة، من دون أن يصدر أي ترحيب أو رفض له.

ويطرح توقيت وشروط الهدنة التي يتم العمل على تطبيقها ابتداءً من ليل الجمعة-صباح السبت المقبلين، العديد من علامات الاستفهام بالنسبة للمعارضة، إضافة إلى تحقيق العديد من المكاسب للنظام المستفيد أصلاً من التوقيت الذي حقق فيه تقدماً ميدانياً على المعارضة، ومن الانحياز المطلق له من قبل روسيا، أحد الطرفين المشرفين على تطبيقها، مقابل حياد الطرف الآخر الأميركي.

ويبقى استثناء "جبهة النصرة" والتنظيمات الأخرى التي سيحددها مجلس الأمن كمنظمات إرهابية، من الهدنة، هو العائق الأكبر أمام نجاحها، إضافة لكونه الاستثناء الذي يُقدّم للنظام الكثير من المكاسب، فهو سيعطي المبرر لروسيا لضرب كل مناطق المعارضة بحجة ضرب تنظيمات إرهابية، خصوصاً أن هناك إدارة مشتركة بين "جبهة النصرة" وفصائل المعارضة لمدينة إدلب (كون الجبهة هي جزء من جيش الفتح الذي يدير المدينة مدنياً)، وبسبب عدم وجود مناطق سيطرة واضحة للجبهة ومثيلاتها، على مناطق محددة، ووجودها بشكل متداخل ضمن مناطق المعارضة.

يضاف إلى ذلك أن قسماً كبيراً من هذه التنظيمات التي استثنتها الهدنة، يتواجد ضمن تجمّعات سكانية مدنية كبيرة هي أصلاً مناطق استقطاب نازحين، كمدينة إدلب وبعض مدن وبلدات جبل الزاوية، ومدينتي سلقين وكفرتخاريم في محافظة إدلب، ومعظم مناطق ريف حلب الغربي في محافظة حلب. وبالتالي فمن المرجح أن يؤدي استهدافها من قبل روسيا إلى كارثة نزوح غير مسبوقة، وقتل المزيد من المدنيين، على الرغم من التأكيد الأميركي على أن هناك خطة لتحديد أماكن سيطرة هذه التنظيمات وأماكن تواجد مواقعها. ولكن روسيا أظهرت منذ بداية تدخّلها العسكري في سورية، أنها تسعى للقضاء على المعارضة السورية مقابل صناعة معارضة ولاؤها لروسيا، والتي بدأت تتشكّل نواتها من قوات "سورية الديمقراطية" المدعومة من كل من روسيا والولايات المتحدة، وتنسّق مع النظام، وتقبل بحل سياسي يقوم على إعادة هيكلة النظام الحالي.

اقرأ أيضاً: هدنة سورية تبدأ السبت بإخراج روسي أميركي

كما أن استهداف فصائل عسكرية تُصنّف كفصائل إرهابية، واستثناء فصائل الجيش الحر، سيؤدي إلى خلق حالة عداء بين فصائل الجيش الحر من جهة، و"جبهة النصرة" وبعض التنظيمات الجهادية من جهة أخرى، قد تتطور إلى صدام عسكري ربما يغذيه النظام. وبدأت بوادر تنسيق بين "النصرة" وبعض التنظيمات الجهادية الأخرى في مناطق سيطرة المعارضة، مع تنظيم "داعش"، وتجلّى هذا الأمر بفتح معركة قطع طريق إمداد النظام إلى حلب، في بلدة خناصر، الأمر الذي ينذر بزيادة التنسيق بين هذه التنظيمات مما يؤدي إلى امتداد تنظيم "داعش" إلى محافظة إدلب.

كما أن الإعلان عن أسماء الفصائل المستثناة من الهدنة، سيدفع بكل التنظيمات التي تخشى من الاستهداف، إلى تغيير مواقعها، في حين تقوم روسيا بقصف المدنيين في المنطقة بحجة خضوعها لسيطرة تنظيم إرهابي، كما حدث خلال استهداف "داعش" من قبل التحالف الدولي، إذ قام التنظيم بتغيير معظم مواقعه، ليكون الضحايا في معظمهم من المدنيين.

ومن المكاسب التي سيجنيها النظام من الهدنة، هو أنها ستساعده في الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها في ريفي حلب الشمالي والغربي بفعل الغطاء الجوي الروسي، والتي لا يمتلك النظام قدرة إبقاء السيطرة عليها من دون هذه الهدنة أو بقاء الغطاء الجوي الروسي الذي لا يمكن أن يستمر بشكل دائم، خصوصاً أن الهدنة وضعت شرطاً على المعارضة بألا تتوسّع خارج المناطق التي تسيطر عليها. وبالتالي تمنح الهدنة النظام فرصة ذهبية للحفاظ على مناطق استراتيجية قطع من خلالها خطوط إمداد المعارضة بين ريفي حلب الشمالي والشرقي وبين ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب، من دون أن يكون لها الحق باستردادها، علماً أن الروس فتحوا الطريق إليها أمام النظام بعد صدور القرارات الدولية الداعية لوقف إطلاق النار وفي فترة التحضير للجولة الثانية من المفاوضات.

ويختصر عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، نصر الحريري، موقف المعارضة بالقول، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "اتفاق الهدنة يحوي بعض النقاط التي ربما تكون ايجابية، لكن هناك نقاطاً سلبية عديدة، فأول ملاحظة على ذلك، هو أنه اتفاق دولي من دون التشاور حوله مع ممثلي المعارضة والفصائل المسلحة، وهذا قد يعوق التوصل للآليات الدقيقة الصحيحة الكفيلة بتطبيق وقف إطلاق النار إذا كان هناك إمكانية حقيقة لحدوثه". ويضيف الحريري، وهو الأمين العام السابق للائتلاف الوطني، أن "مناطق داعش ونفوذها معروفة ومن السهل قتالها وعزلها، ولكن ماذا عن المناطق الأخرى التي يتواجد فيها تنظيمات أخرى سماها القرار، ومناطق نفوذها متداخلة بشكل كبير مع المعارضة وخصوصاً جبهة النصرة، وقد يكون للجبهة أفراد قلائل ضمن مناطق معينة، وبالتالي سيكون من الصعب عزل وتحديد مناطق الفصائل". ويرجح الحريري ألا يكون النظام جدياً في أي محاولة لإيجاد حل سياسي، وأن يسعى لإفشال وقف إطلاق النار أو الهدنة بكل الوسائل".

بدوره، يرى قائد الفرقة الثانية مشاة في القلمون الشرقي التابعة للجيش الحر، ورئيس إدارة العمليات في هيئة أركان الجيش الحر سابقاً، العميد هاني الجاعور، أن المشكلة في القرار الروسي الأميركي بوقف إطلاق النار في سورية هي أن مناطق تواجد "داعش" معروفة، لكن "جبهة النصرة" متواجدة بين فصائل الجيش الحر في عدة محافظات، فكيف سيتم تحديد مقرات الجبهة وهي ضمن مناطق الجيش الحر، ولا شك أن هذا الأمر مربك جداً لعناصر الجيش الحر والفصائل الأخرى.

ويضيف الجاعور في حديث لـ"العربي الجديد": "هذا الأمر من الممكن أن يؤدي إلى خلافات حادة بين فصائل الجيش الحر، وجبهة النصرة بشكل رئيسي، وربما تحدث حساسيات ومواقف وردود فعل قد ترقى للاصطدام المباشر مستقبلاً، وبالتالي سيستفيد النظام وحلفاؤه بشكل رئيسي من كل هذه الأمور إن حصلت". ويلفت إلى "أن وجود صعوبة كبيرة في تحديد مناطق النصرة، قد يؤدي عملياً إلى استمرار أعمال القصف الجوي كما كانت عليه بذريعة وجود النصرة"، معتبراً أن "الكرة الآن بملعب الجبهة لكي تتخذ إجراءات معينة تصب في مصلحة الثورة السورية، كإعلان الانفصال عن القاعدة، فالشعب السوري خرج في الثورة لكي ينادي بإسقاط الاستبداد وإقامة نظام ديمقراطي".

وفي ما يخص تطبيق الشق الإنساني من الهدنة، يبدو أن هناك مناطق محاصرة ستبقى خارج إطار الهدنة كمدينة داريا، التي علم سكانها من مسؤولين في الأمم المتحدة أنهم غير مشمولين بالهدنة، التي ستشمل فقط المناطق التي سلط الضوء عليها كمضايا والمعضمية، الأمر الذي يجعلها ورقة ضغط تفاوضية بيد النظام.

اقرأ أيضاً: توجسّ المعارضة السورية من التزام روسيا بهدنة السبت

المساهمون