فإلى جانب أن خطوة ليبرمان أفضت إلى تقليص الأغلبية التي يتمتع بها الائتلاف الحاكم (61 نائبا)، فقد قدم حزب "البيت اليهودي" المشارك في الائتلاف، الليلة الماضية، إنذارا لنتنياهو بأنه في حال لم يتم تعيين زعيمه وزير التعليم نفتالي بينيت خلفا لليبرمان، فإنه سينسحب من الائتلاف، مما يعني فقدان الحكومة أغلبية البرلمانية، وهذا ما يحتم إجراء انتخابات مبكرة.
لكن نتنياهو، الذي أعلن أنه سيتولى منصب وزير الحرب بعد ليبرمان، يرفض إنذار "البيت اليهودي" حتى الآن، حيث إنه إلى جانب موقفه الشخصي السلبي تجاه بينيت، فإنه يخشى أن يفضي تسليمه مفتاح وزارة الحرب إلى جر إسرائيل إلى مغامرات عسكرية غير محسوبة، حيث إنه سبق لبينيت أن قدم خطة عسكرية متكاملة لمواجهة حركة حماس وإخضاعها، تقوم على توجيه ضربات جوية متواصلة، ترافقها عمليات توغل وتصفيات جسدية لقيادات الحركة.
وإلى جانب خطورة الرهان على نتائج خطة بينيت هذه، وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات سلبية في حال فشلت، سيتحمل نتنياهو وحزب الليكود المسؤولية عن تبعاتها أمام الجمهور، مما يفضي إلى خسارته الحكم، فيما سيعزز نجاح الخطة مكانة "البيت اليهودي"، وسيدفع المزيد من القطاعات من الجمهور اليميني للتصويت له في أية انتخابات قادمة.
غير أن عدم الاستجابة لإنذار بينيت يعني أن الخيار الوحيد أمام نتنياهو هو التوجه لانتخابات مبكرة، في ظل استطلاعات الرأي العام التي كشفت عنها قنوات التلفزة الإسرائيلية الليلة الماضية، والتي دللت على تراجع قوة الليكود بسبب نتائج المواجهة الأخيرة ضد غزة، مما يعني أن الحزب ونتنياهو قد يخسران الحكم في أعقاب هذه الانتخابات.
إلى ذلك، كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان"، الليلة الماضية، عن أن بعض مقربي نتنياهو أوصوه بالاستجابة لإنذار "البيت اليهودي" وتعيين بينيت وزيرا للحرب، في حال لم تنجح محاولات أخرى لإقناع الحزب بالتراجع عن إنذاره، مثل منحه منصبا وزاريا رابعا في الحكومة.
وحسب منطق هؤلاء المقربين، فإن نتنياهو بإمكانه كرئيس للوزراء أن يضبط سلوك بينيت كوزير للحرب، تماما كما فعل مع ليبرمان.
وعلى الرغم من أن هذه التوصية تأتي لتفادي تبكير الانتخابات، فإنها تقوم على منطق متهاو، على اعتبار أن قدرة نتنياهو على ضبط بينيت، سيما على صعيد مستقبل العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، ستكون محدودة، في ظل مطالبة الجمهور الإسرائيلي بحسم المواجهة مع حماس واستعادة الردع.
ولا تقف المشاكل التي تعترض استقرار الحكومة عند إنذار "البيت اليهودي" وموقف نتنياهو منه، حيث إن حزب "كلنا" الذي يقوده وزير المالية موشيه كحلون، والذي يملك 10 مقاعد في البرلمان، معني بإجراء الانتخابات. فاستطلاعات الرأي الأخيرة دللت على زيادة شعبية الحزب بسبب ارتياح قطاعات واسعة من الجمهور من الإصلاحات التي أدخلها كحلون على قطاع الإسكان، وما ترافق معه من تحسين قدرة الأزواج الشباب على شراء شقق سكنية، لذلك يبدو معنيا باستغلال تعاظم شعبيته من خلال إجراء انتخابات مبكرة.
وفي حال وصل نتنياهو إلى قناعة مفادها بأنه لا مفر من إجراء انتخابات مبكرة، فإنه يعي أن إجراء هذه الانتخابات في ظل حالة السخط الشعبي، سيما في أوساط اليمين، من سياساته قد تفضي إلى خسارته الحكم، وهذا قد يدفعه إلى شن عمل عسكري لترميم صورته وضمان تعزيز مكانة شعبه.
وقد يقدم نتنياهو على تنفيذ حملة عسكرية محدودة ضد حماس في غزة، بحيث تكون خاطفة، أقل حجما من التي أوصى بها بينيت، أو أنه قد يختار أن يصيد هدفا ثمينا للحركة في الخارج.
وقد يكون إعلان الإدارة الأميركية، أول أمس، عن ضم اسم نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، الذي يقيم في لبنان، إلى قائمة الإرهاب الأميركية، وتخصيص مبلغ 5 ملايين دولار لمن يدلي معلومات عنه، نتاج تنسيق أميركي إسرائيلي لتسويغ اغتياله؛ سيما وأن إسرائيل تتهمه بالمسؤولية عن توجيه العمليات في الضفة الغربية.
الذي يدفع نحو هذا الاعتقاد أنه في الماضي أقدمت إسرائيل على اغتيال قيادات من حزب الله حرصت الولايات المتحدة على تضمينهم قوائم الإرهابيين، كما حدث مع القيادي سمير قنطار، الذي تم الإعلان عنه ضمن قائمة الإرهاب قبل 3 أشهر من اغتياله.
وفيما تبدو خيارات نتنياهو محدودة وضيقة، فإنه قد يندفع نحو تنفيذ كل ما يعتقد أنه قد يضمن إنقاذ مستقبله السياسي.