إيران وإسرائيل بعد المواجهة في الجولان: تصعيد أم تسوية؟

11 مايو 2018
دبابات إسرائيلية في الجولان أمس (ليئور مزراحي/Getty)
+ الخط -

يمكن أن يمثل التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وإيران في الجولان السوري المحتل، ليل الأربعاء الخميس، إما مرحلة متقدمة أخرى في المواجهة بين الجانبين، أو خطوة قد تمهد الطريق إلى تسوية غير مباشرة بين الجانبين، بوساطة روسية تنزع فتيل الصراع. واستند ممثلو حكومة بنيامين نتنياهو إلى "الإنجازات" التي حققها الجيش الإسرائيلي في الحملة الجوية التي شنها، الليلة الماضية، على المواقع الإيرانية في سورية، لتبرير التعبير عن تصميم تل أبيب على عمل كل ما في وسعها من أجل ضمان إنهاء الوجود الإيراني في سورية بشكل نهائي. وحتى وزير المالية، موشيه كحلون، الذي لا يبدي عادة حماسة للتعليق على القضايا السياسية والأمنية، سارع لتهديد إيران بضربات أكثر إيلاماً في حال لم تغادر سورية في أقرب وقت ممكن.

وقد بدت إسرائيل الرسمية مرتاحة تماماً من نتائج الحملة الجوية، التي شاركت في تنفيذها 28 طائرة حربية، وأطلق خلالها 60 صاروخاً (تحدث الجيش الروسي عن 70 صاروخاً) على أهداف لإيران ونظام بشار  الأسد، إذ تباهى وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، بأن الحملة أسفرت عن تدمير كلي أو جزئي لكل الأهداف العسكرية الإيرانية في سورية "تقريباً"، مضيفاً "آمل أن نكون انتهينا من هذا الفصل وأن يكون الجميع قد فهم الرسالة". وقد حرصت المؤسسة العسكرية في تل أبيب على الكشف بشكل تدريجي عما اعتبرته مؤشرات على التأثير الكبير للضربة التي طاولت الأهداف الإيرانية، لدرجة أن معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، نقل عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير قوله إن الحملة الجوية أعادت التواجد الإيراني العسكري في سورية شهوراً بعيدة إلى الوراء، في إشارة إلى مدى تضرر البنى التحتية العسكرية التي بنتها إيران في سورية. وفي المقابل، عمد المعلقون الإسرائيليون إلى اقتباس قيادات عسكرية تدعي أن حجم الهجوم الذي نفذته إيران ضد المواقع الإسرائيلية كان أكثر تواضعاً مما خشيته تل أبيب، الأمر الذي يدلل على أن طهران غير قادرة على التصدي لإسرائيل، بما يعني عملياً أن هامش المناورة العسكرية أمام جيش الاحتلال في سورية تعاظم بعد الضربة.

لكن بغض النظر إن كانت تقديرات تل أبيب لتأثيرات حملتها الجوية ضد الأهداف الإيرانية ناجمة عن تقييم موضوعي أو أنها تمثل نمطاً من أنماط الحرب النفسية الهادفة لمراكمة الردع، فإن هناك ما يدلل على أن هذه التقديرات لا تلغي حقيقة أن تل أبيب تشعر بقلق كبير إزاء تداعيات التصعيد ضد إيران. فعلى الرغم من "الإنجازات" التي تتحدث عنها، إلا أن أحداً في إسرائيل لم يزعم أن الحملة تمكنت من تحييد خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية ذات دقة الإصابة العالية التي لا تزال إيران تحتفظ بها في سورية. فما صمت عنه المسؤولون في تل أبيب، أشار إليه مدير "مركز أبحاث الأمن القومي" ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، عاموس يادلين، في سلسلة تغريدات كتبها على حسابه على "تويتر" أمس الخميس، إذ لفت إلى أن تهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية داخل سورية مازال قائماً، ما يعني أن قدرة إيران على مفاجأة إسرائيل لا تزال مضمونة. في الوقت ذاته، فإن ضخ هذا الكم الكبير من التهديدات الرسمية ضد إيران يعود بشكل أساسي إلى تقدير إسرائيلي بأن قدرة طهران في الرد على اعتداءات تل أبيب تتعاظم طوال الوقت. إلى جانب ذلك، فإنه حتى لو كانت التقديرات بأن إيران غير قادرة على توجيه ضربة أقوى من الضربة التي وجهتها الليلة قبل الماضية في الجولان صحيحة، فإن الكثيرين في تل أبيب يحذرون من أن طهران يمكن أن تضطر إلى استخدام "سلاحها الثقيل" المتمثل في "حزب الله"، والذي بإمكان منظومته الصاروخية ضرب مئات الأهداف الاستراتيجية الحساسة بدقة.



صحيح أن الواقع الداخلي اللبناني، لاسيما بعد الانتخابات، يفرض على "حزب الله" تجنب الانغماس في مواجهة جديدة مع إسرائيل، إلا أن التقديرات السائدة في تل أبيب ترجح أنه في حال وصلت القيادة الإيرانية إلى قناعة مفادها بأنه يتوجب إشراك الحزب في المواجهة فإنه سيجد الطريقة المناسبة التي تسوغ له الاستنفار لمواجهة تل أبيب. وفضلاً عن ذلك، فإن الكثير من النخب الإسرائيلية تجاهر بأن الجبهة الداخلية والعمق الإسرائيلي غير قادرين في الوقت الحالي على مواجهة تبعات مواجهة شاملة وواسعة، إذ إن الحكومة الإسرائيلية ستكون مطالبة بإخلاء مئات الآلاف من المستوطنين من منطقة حيفا فقط في حال اندلعت مثل هذه المواجهة، بسبب قابلية مرافق حساسة وخطيرة للإصابة، مثل مجمع الصناعات البتروكيميائية في ميناء حيفا وغيرها، وهي المرافق التي سيفضي قصفها إلى آثار بيئية ذات تأثير بالغ الخطورة على الجمهور الإسرائيلي.

من ناحية ثانية، وحتى لو لم يتدخل "حزب الله" وحافظت إيران على نمط ردودها المحدودة ضد الهجمات الإسرائيلية، كما فعلت الليلة قبل الماضية، فإن الجيش الإسرائيلي والعمق الإسرائيلي لا يمكنه الاستنفار لوقت طويل. وفي الوقت ذاته، فإنه لا يوجد ما يغري تل أبيب بإشعال حماستها لتواصل المواجهة مع إيران بسبب انخراط جيشها في محاولة لاحتواء حراك مسيرات العودة الكبرى على الحدود مع قطاع غزة، والتي ستصل ذروتها في 15 مايو/أيار الحالي، علاوة على تقدير تل أبيب بأن هناك احتمالاً كبيراً لأن تنفجر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية رداً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. إن ما يدلل على قلق إسرائيل من تبعات التصعيد مع إيران على الساحة السورية حقيقة أن مؤيدي تل أبيب في واشنطن حرصوا على إقناع الإدارة الأميركية بنقل رسائل تهديد لطهران من مغبة تبعات شن هجمات على إسرائيل. فحسب ما ذكره موقع "والاه"، أمس الخميس، فقد حرص وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، على نقل رسائل لإيران، عبر طرف ثالث، حذرها فيها من أن الولايات المتحدة لن تتردد في استهدافها في حال هاجمت إسرائيل. وإزاء هذه المحاذير، فإن كلاً من إسرائيل وإيران يمكن أن تقبلا بتسوية تضمن تحقيق تهدئة في الساحة السورية. فتل أبيب وطهران يمكن أن تستغلا العرض الذي قدمه نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، للتوسط بينهما. كما دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إيران وإسرائيل إلى "الحوار". وقال لافروف إن اللجوء إلى القوة "اتجاه مثير للقلق، ننطلق من مبدأ أن كل المسائل يجب أن تحل عبر الحوار". ويمكن لتل أبيب أن تقبل ببقاء الوجود العسكري الإيراني في سورية على أن تقدم موسكو تعهدات بألا تتجه طهران لتعزيز قوتها العسكرية هناك، مقابل التزام تل أبيب بوقف الهجمات.