الوطن أسمى من الدولة

16 مارس 2017
الانقسام الفلسطيني غائر في جوف المشروع التحرري (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
كشف استشهاد الفلسطيني باسل الأعرج، وما أثاره من ارتدادات في الشارع الفلسطيني، عن حجم المأزق الذي حشر فيه المشروع التحرري الفلسطيني، الذي بات معلقاً بين "مشروع دولة" لم يُنجز، وبين أشلاء وطن يضيع شبراً شبراً، وبشراً بشراً.

واللافت أكثر في ما جرى على الساحة الفلسطينية، منذ اغتيال الأعرج، هو المسافة الشاسعة بين "مشروع الدولة" الموعودة، وبين "مشروع الوطن" الذي حلم به الفلسطيني الشهيد، والمعتقل، والمبعد، والمنفي. وقد كشفت الأيام القليلة الماضية أن الانقسام الفلسطيني غائر في جوف المشروع التحرري الفلسطيني، بين من يرى أن هذا المشروع يتحقق بـ"دولة"، أو حتى بـ"سلطة بلا سلطة"، وبين من يرى أن المشروع الوطني الفلسطيني لا يكون من دون وطن يُحقق للفلسطيني مواطنة حُرم منها منذ نكبة الـ48.

ما جرى من مواجهات في شوارع رام الله قبل أيام، وما دار من سجال على مواقع التواصل بين أجهزة "الدولة" وأبناء "الوطن" يُعري حجم المأزق، وظهر الفلسطيني في أتونه أكثر توقاً للوطن منه للدولة. فالفلسطيني الذي عاش ويعيش في رياح الدنيا الأربع، وعانى في أعتى الدول الديكتاتورية، وأبدع في أرقى الدول الديمقراطية، وسافر من أستراليا إلى كندا، ومن جنوب أفريقيا إلى السويد، وعاش في أغنى المدن وأفقر المخيمات، عاد إلى "الوطن"، ويتمسك بحق العودة، لا يَعوزه "دولة" بل يَفتقد "وطنا".

لقائل أن يقول إن في الحديث رومانسية، ولكن هل غاب عن عبقرية بُناة "الدولة"، أن المشروع الصهيوني، النقيض الوطني للمشروع الفلسطيني، قد تأسس بـ"وعد بلفور" الذي أعطى اليهود "وطناً" قومياً، وليس "دولة"؟، لأن من صاغ نص "الرسالة البريطانية" كان يُدرك أن اليهودي يبحث عن وطن، وليس عن دولة، وأن "الدول" تدوم أو تزول، أما الأوطان فتعيش في قلوب وعقول الحالمين بها، حتى وإن كانت خارج الجغرافيا. لذلك عاش "الوطن القومي" في وجدان اليهود من 1917 وحتى 1947، قبل أن يتحقق في الجغرافيا. ولايزال الوطن يعيش في قلوب ملايين الفلسطينيين ممن لم يروا فلسطين الجغرافيا يوماً. لقد برهنت التجارب الإنسانية أن المواطن عادة ما يهرب من "الدولة" وليس من الوطن، وعندما تضيق به الدنيا، ويشتد به الحنين، يعود إلى "الوطن" وليس إلى الدولة.
المساهمون