غريفيث في الجولة الأخيرة قبل جنيف اليمني

02 سبتمبر 2018
عناصر الحكومة الشرعية أيدت خطوة غريفيث (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -

قبل أيام من الموعد المحدد لانطلاق مشاورات جنيف3 اليمنية، بدأ المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمس السبت، جولة جديدة، من العاصمة السعودية الرياض، لإجراء مباحثات حول الترتيبات النهائية للمشاورات، التي تأتي في ظل تواتر المؤشرات، عن ضغوط دولية قوية، يواجهها التحالف السعودي الإماراتي، بعد نحو ثلاثة أعوام ونصف العام على عملياته، التي فاقمت الأوضاع الإنسانية، ولم تسفر حتى اليوم، عن نتائج عسكرية مفصلية من شأنها أن تنهي سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، على العاصمة صنعاء، كأحد أبرز الأهداف المعلنة.

وبعد أن كان من المقرر أن يلتقي غريفيث، أمس، الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أفادت مصادر قريبة من الحكومة بأنه "اعتذر عن اللقاء"، وكلّف وزير الخارجية خالد اليماني، الذي استقبل غريفيث في الرياض، وأكد له أن "الحكومة اليمنية مستمرة في دعمها لجهوده من أجل إحلال السلام الدائم والشامل، وأن وفد الحكومة جاهز للذهاب إلى جولة المشاورات المقرر أن تبدأ في السادس من سبتمبر/أيلول الحالي، إذ انتهت من تسمية أعضاء وفدها المؤلف وفقاً لتصريح مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، من 14 عضواً، ومثلهم من الحوثيين وحلفائهم، الذين لم تصدر عنهم أي مواقف حتى اليوم، تشير إلى معارضتهم الحضور في المشاورات.

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية بنسختها التابعة للشرعية عن اليماني خلال لقاء غريفيث، قوله إن "الحكومة حريصة على الاستفادة من هذه المشاورات لإحراز تقدم في إجراءات بناء الثقة وأهمها إطلاق سراح المعتقلين والمختطفين ورفع الحصار عن المدن وتسهيل وصول الإغاثة الإنسانية، وحلّ إشكالية دفع أجور العاملين في الخدمة المدنية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيات الانقلابية".

وبعد أن أعلنت مصادر قيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام، في الأيام الماضية، أنها "خارج ترتيبات المفاوضات في جنيف"، أعلن الحزب بجناحه المتواجد في صنعاء، أمس، أنه "تلقى دعوة من المبعوث الدولي للمشاركة في المفاوضات، وكلف قيادته، بتسمية أعضاء الوفد". الأمر الذي بدا تجاوباً مع الانتقادات التي واجهت غريفيث لتجاهل الحزب الذي حرص على تمثيل شبه مستقل في محطات المفاوضات السابقة، ومع ذلك، فإن اختيار غريفيث جناح صنعاء الخاضع بمختلف مواقفه للحوثيين، لتشكيل وفد يمثل الحزب، أمر يلقى تحفظاً من أجنحة في الحزب خارج البلاد.



وكان غريفيث نجح بانتزاع موافقة طرفي معادلة المفاوضات اليمنية متمثلة بالحكومة الشرعية والحوثيين، متجاوزاً سلسلة من الشروط المسبقة، التي كان الطرفان يضعانها أمام أي جولة مشاورات جديدة، في وقتٍ تتفق التصريحات الحكومية وتلك الصادرة عن المبعوث الأممي، على أن مفاوضات جنيف المقبلة، تتمحور حول الترتيبات الأمنية والإنسانية، المفترض أن تقود إلى الخطوة التالية بالقضايا السياسية. وتشمل الأولى إطلاق سراح المعتقلين والأسرى، أو أبرزهم على الأقل، كوزير الدفاع المحتجز لدى الحوثيين اللواء محمود الصبيحي والمسؤول في الاستخبارات، اللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس اليمني)، وآخرين.

بالإضافة إلى ذلك، يأتي ملف وضع المصرف المركزي اليمني، على رأس مواضيع المفاوضات المقبلة، إذ في ظل الوضع الذي ينقسم فيه المصرف المركزي بين الرئيسي في عدن منذ نقله في سبتمبر/أيلول 2016، وبين المركز في صنعاء، والذي يرفض الحوثيون الاعتراف بنقله. وقد تسبب الانقسام بشأنه بقطع رواتب ما يزيد عن مليون موظف حكومي منذ نحو عامين، بالإضافة إلى أزمة انهيار أسعار العملة، إلى مستويات قياسية. ويمثل الملفان (المعتقلين والمصرف المركزي)، جنباً إلى جنب مع إجراءات أمنية، من شأنها وقف العمليات العسكرية، أو الحد منها على الأقل، بما في ذلك ما يتعلق بوضع مدينة الحديدة، أبرز التحديات المطروحة أمام المفاوضين في جنيف، وعلى ضوء التقدم في هذه الملفات أو عدمه، سيتحدد مصير المفاوضات.

في الإطار ذاته، من غير المستبعد أن يسعى المبعوث الأممي إلى طرح خطة شاملة للحل على الأطراف، تشمل الجانبين الأمني والسياسي (متطلبات وقف الحرب وتشكيل قيادة يمنية انتقالية)، الأمر الذي إن تم، فسيعتمد بصورة كبيرة، على حجم الضغوط الدولية التي تدفع بالأطراف نحو اتفاق شامل في جنيف، بالإضافة إلى مضامين الخطة المقترحة، والتي سيحدد الوفدان (الحكومي ووفد الحوثيين)، موقفهما، على ضوئها، بناءً على المواقف التي يتبناها كلا الطرفين وحجم التنازلات المطلوب تقديمها للوصول إلى حل.

ومع التسليم بأن الوصول إلى حلّ سياسي، قد لا يكون أمراً سهلاً بطبيعة الحال، في ظل الهوة الواسعة في مواقف طرفي المفاوضات، إلا أن غريفيث، وخلال الأشهر التي تلت تسميته مبعوثاً إلى اليمن، استطاع أن يحدث اختراقاً بأن يجد قبولاً مبدئياً لأفكاره من مختلف الأطراف، بالإضافة إلى التحدي الكبير، الذي وقف أمامه، متمثلاً بالتصعيد العسكري للتحالف والشرعية نحو الحديدة. وهو التطور، الذي كان لغريفيث الدور المحوري في تحديد مساره حتى اليوم، إذ أسفرت جهوده عن تراجع وتيرة العمليات إلى حد كبير.