معركة الجنوب الليبي: صراع بأبعاد قبلية وسياسية

21 مايو 2017
اتهامات لقوات حفتر بالمسؤولية عن القتال بالجنوب(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
أعاد الهجوم على قاعدة براك الشاطئ شمال سبها في الجنوب الليبي، والذي أدى إلى سقوط عشرات القتلى، مشهد التوتر إلى البلاد مجدداً، بعد نحو أسبوعين من التهدئة التي اتفق عليها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، وقائد الجيش التابع لبرلمان طبرق خليفة حفتر في أبوظبي، في سياق إطلاق تسوية بينهما.
وبدا التوظيف السياسي لهجوم براك الشاطئ حاضراً، في ظل ضعف موقف المجلس الرئاسي الذي بدا أنه لا يسيطر على القوات الموالية له، بينما سمح الهجوم لحفتر والموالين له بتوظيفه لتثبيت تهمة الإرهاب على مناوئيهم.

وكانت المعلومات الأولية التي أعلن عنها رئيس المجلس البلدي لبراك الشاطئ، إبراهيم زمي، مساء الخميس، قد أفادت بمقتل 74 مقاتلاً من "اللواء 12" التابع لقوات حفتر، والذي يقوده العميد محمد بن نائل، في هجوم قوات موالية لحكومة الوفاق على قاعدة براك الشاطئ. وأشار إلى أن "خمسة قتلوا بطريقة الذبح والباقي بطلق ناري مباشر على الرأس"، قبل أن يرتفع الرقم إلى 141 قتيلاً عسكرياً ومدنياً، وفق إعلان المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، ليل الجمعة.

وبعد نحو 48 ساعة من الصمت المطبق من قِبل المجلس الرئاسي، أعلن الجمعة إدانته "التصعيد العسكري"، معتبراً أن ذلك "جاء لتقويض جهود السلام والاستقرار في الجنوب الليبي". ليعلن بعدها المجلس إيقاف وزير دفاعه المهدي البرغثي عن العمل، وتشكيل لجنة للتحقيق في الهجوم وتقديم نتائج التحقيق خلال 15 يوماً. وكانت وزارة الدفاع بقيادة البرغثي، قد نفت إصدار قرار بالهجوم على القاعدة المذكورة، لكنها حمّلت قوات حفتر مسؤولية القتال في الجنوب، بعد أن هاجمت قوات "اللواء 12" قاعدة تمنهنت الجوية ومدينة سبها، والتي توجد فيهما قوات تابعة لحكومة الوفاق، منذ 23 مارس/ آذار الماضي.
كذلك جاء موقف المجلس البلدي لمصراته الذي حمّل مسؤولية الهجوم لقوات حفتر التي بادرت بالهجوم البري والقصف الجوي لمقرات "القوة الثالثة" و"سرايا الدفاع عن بنغازي" منذ بداية الشهر الماضي. كما أن بعض قادة "سرايا الدفاع" تساءلوا عن صمت العالم عن قتلاهم الذين يُعدّون بالمئات.

وبدأ الصراع المسلح في الجنوب الليبي نهاية مارس/ آذار الماضي، بقيام قوات يتزعمها القيادي في النظام السابق العميد محمد بن نائل، تحت مسمى "اللواء 12" الموالي لحفتر، بالهجوم على قاعدة تمنهنت (30 كيلومتراً غرب سبها) التي تتخذها "القوة الثالثة" مقراً لها، وإمطارها بسيل من صواريخ "غراد"، بالإضافة لوقوع اشتباكات مباشرة بين قوات حفتر و"القوة الثالثة" داخل سبها.
وتتقاسم القوتان السيطرة على مواقع عسكرية مهمة في الجنوب الليبي، إذ تقوم "القوة الثالثة" منذ عام 2013 بتكليف من المؤتمر الوطني العام بتأمين الجنوب في قاعدتي الجفرة وتمنهنت، وهي قوة مؤلفة من مقاتلي المجلس العسكري لمصراته وفصائل من ثوار قبائل الجنوب الليبي، قبل أن تشرعنها وزارة دفاع حكومة الوفاق منتصف إبريل/ نيسان الماضي. بينما تسيطر قوات بن نائل الموالية لحفتر على قاعدة براك الشاطئ الجوية (50 كيلومتراً شمال سبها). وتُشكّل سبها نقطة تماس بينهما، إذ تتقاسم القوتان مواقع عسكرية داخلها.


وتتهم قوات حفتر المجلس الرئاسي بشرعنة فصائل أخرى مقاتلة شاركت في الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، من بينها "سرايا الدفاع عن بنغازي"، وهي قوة مؤلفة من قادة وثوار بنغازي تأسست في يونيو/ حزيران من العام الماضي لمحاربة قوات حفتر من خارج بنغازي واتخذت مواقع عسكرية حول قاعدة الجفرة. ولم تخفِ "القوة الثالثة" الموالية لمصراته والمجلس الرئاسي، علاقتها ودعمها لـ"سرايا الدفاع". كذلك يبرز لواء "درع الجنوب" الذي يقوده أحمد الحسناوي، وهو تشكيل مسلح شرّعه المؤتمر الوطني عام 2012، إلا أن قوات حفتر تصفه بالإرهابي.
لكن اللافت في مكوّنات هذه القوات، أنها تخضع لقيادة ضباط وعسكريين لكن عناصرها في الغالب هم من المسلحين المدنيين. فمقاتلو "القوة الثالثة" و"سرايا الدفاع" و"درع الجنوب" هم من الثوار السابقين المنحدرين من بنغازي ومصراته وقبائل الجنوب، كما أن مقاتلي اللواء 12 الموالي لحفتر ينحدر أغلبهم من قبائل المقارحة والقذاذفة والتبو.

معادلة الصراع بين مؤيدي النظام السابق وثوار فبراير، لا تزال حاضرة في مشهد النزاع في الجنوب، فـ"اللواء 12" مكوّن من أبناء قبائل ينتمي إليها رموز بارزون في النظام السابق، وهم القذاذفة والمقارحة والتبو. كما أن قائد هذا اللواء قيادي بارز في النظام السابق، ويشغل اللواء قاعدة براك الشاطئ التي تقع داخل أراضي المقارحة. بينما تُشكّل قبائل الحساونة وأولاد سليمان والطوارق، وهي قبائل معارضة للنظام السابق، حاضنة اجتماعية لمقاتلي مصراته وبنغازي، ما مكّنهم من السيطرة على قاعدتي الجفرة وتهمنت اللتين تقعان داخل أراضي هذه القبائل.

ويمكن فهم الصراع أيضاً من زاوية الخلافات التاريخية القديمة التي يبدو أنها لا تزال حاضرة في الصراع الحالي، فالنزاعات المسلحة بين أولاد سليمان والمقارحة، والنزاعات بين الطوارق والتبو، يبدو أنها عامل مهم في توزيع أدوار هذه القبائل ضمن القوتين البارزتين حالياً.
ويبدو أن امتدادات القبائل الموالية للطرفين في دول أفريقية، مكّنت حلفاءها من الدخول في الصراع المسلح، فقبائل التبو الموالية لحفتر استعانت بحلفائها في حركة "العدل والمساواة" السودانية وتحديداً جناح مني أركو مناوي المكوّن من قبيلة الزغاوة. أما قبائل الطوارق الموالية للمناوئين لحفتر، فقد كانت الطريق لفصائل المعارضة التشادية لتقاتل في صفوف "القوة الثالثة" و"سرايا الدفاع عن بنغازي"، كما ظهر من خلال اعترافات بعض فصائلها خلال تصريحات تلفزيونية منتصف إبريل/ نيسان الماضي.

وليس العدد الكبير من القتلى في معركة براك الشاطئ أمراً جديداً في المعارك القبلية، فقد سقط أكثر من 300 شخص أثناء القتال العنيف الذي دار لأشهر بين قبيلتي الطوارق والتبو عام 2015 في أوباري، لكن المتغير الجديد في معارك براك الشاطئ خضوع طرفي الصراع بخلفياتهما القبلية إلى قيادات سياسية تمثّل طرفي النزاع في ليبيا، هما البرلمان وجناحه العسكري من جهة، والمجلس الرئاسي من جهة أخرى.
ويتوقع مراقبون أن يكون لمعركة براك الشاطئ المرجح تطورها على الصعيد القبلي المحلي، خلفيات سياسية تتعلق بالهدنة المتفق عليها بين حفتر والسراج في أبوظبي في طريق السعي للاتفاق على تسوية الخلافات وإيجاد موقع لحفتر في المشهد الحكومي المقبل، وهو الاتجاه الذي عارضته فصائل مسلحة وأطراف سياسية في غرب البلاد على رأسهم قادة مصراته، والذين يبدو أن لهم علاقة بدعم الهجوم على قاعدة براك. فقد توجّهت كلمة المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، ليل الجمعة إلى مصراته تحديداً، مطالباً قادتها بتحديد موقفهم من الهجوم.