جبهة "داعش" ليبيا: عوامل حسم وخشية من حرب أهلية

30 ابريل 2016
دعوات لرفع حظر التسلح عن ليبيا (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
تتداخل المعطيات المتصلة بالمعركة الكبرى المرتقبة في ليبيا ضد تنظيم "داعش"، وخصوصاً في معقله، سرت، لتتحول التوقعات بإمكانية إنزال خسارة في صفوف التنظيم، إلى مخاوف من أن تتحول الحملة إلى حرب أهلية بين جيوش ومليشيات الشرق والغرب التي تتسابق إلى جبهة سرت من دون أدنى تنسيق أو توحيد للجهود. وصحيح أن خبراء ومراقبين للشأن الليبي يتوقعون أن يسرّع تسلّم حكومة الوفاق الوطني، بقيادة فائز السرّاج، لمهامها في ليبيا من اقتراب موعد نهاية "داعش"، على اعتبار أن هناك عوامل عدة قد تعجّل بالقضاء على التنظيم، إلا أن تطورات اليومين الماضيين، لناحية إعلان الطرفين الرئيسيين في الشرق والغرب، أي قوات اللواء خليفة حفتر والأفواج المنضوية تحت لواء "فجر ليبيا"، نيتهما "تحرير سرت" كل بمفرده، يثير الرعب من سيناريو أن تصبح معركة سرت حرباً بين جميع الأطراف، لا جبهة موحدة ضد "داعش". ربما من هنا يمكن فهم بيان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، قبل يومين، الذي عبّر فيه عن مخاوفه "من أن تتحوّل معركة تحرير سرت إلى مواجهة بين القوى العسكرية، ما قد يجر البلاد إلى حرب أهلية لا يعلم مداها وتبعاتها إلا الله". ودعا المجلس القوى العسكرية الليبية إلى انتظار تعليماته بصفته "القائد الأعلى للجيش الليبي وفق ما نص عليه الاتفاق السياسي، في انتظار تشكيل قيادة مشتركة للعمليات في مدينة سرت وتوحيد الجهود تحت قيادة المجلس الرئاسي".

ولعل أبرز العوامل التي كانت توحي لكثيرين بتفاؤل إزاء إمكانية نجاح المعركة الشاملة ضد "داعش"، حرب الزعامات داخل التنظيم وشحّ الموارد المالية لديه. ولئن استغل تنظيم "داعش" طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، حالة الفوضى والانفلات الأمني الحاصل في ليبيا، ليسيطر على مدينة سرت الساحلية (450 كيلومتراً شرق طرابلس)، ويحاول التوغل في مدينة صبراتة (70 كيلومتراً غرب العاصمة الليبية)، إلا أن مستجدات ومتغيرات عدة ساهمت أخيراً في إضعافه.

وفي السياق، يقول المختص في الشأن في الليبي، رافع الطبيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ العديد من المستجدات طرأت على الملف الليبي وعلى تركيبة "داعش". ويشير، بناء على معلومات متوفرة لديه، إلى أنه حصلت أخيراً انشقاقات يصفها بـ"الكبيرة جداً" داخل التنظيم. 


ويوضح الطبيب أن من أكبر القياديين المنشقين شخص يسمى فتح الله، وهو يعتبر من أهم المخططين في الفرع الليبي من تنظيم "داعش". ويلفت الطبيب إلى أن القيادي انشق عن التنظيم، مندداً بالممارسات التي يقوم بها داعش في ليبيا، ولا سيما بعد تصريحات جبريل السينغالي، الذي توعد الليبيين باستهدافهم".

ووفقاً للطبيب فإن "داعش ليبيا لم يعد يقوم بأي محاولات في الآونة الأخيرة للتمدد أو التوغل في المدن الليبية، وحتى بعض محاولاته الأخيرة كانت فاشلة، بسبب الضربات التي تلقاها من قوات الجيش في بنغازي، وفي درنة وفي الشرق الليبي".

يذكر أن قوات ليبية تمكنت من إيقاف تمدد "داعش" ومحاولته السيطرة على بعض المدن مثلما حصل في صبراتة بأيد ليبية، الأمر الذي يمكن أن يسقط ذريعة التدخل الخارجي لضرب "داعش" ويُقوِّي فكرة أن يقوم الليبيون بأنفسهم بهذه المهمة. وهو ما أكده فائز السراج بنفسه في مدينة إسطنبول التركية، خلال كلمته التي ألقاها خلال قمة منظمة التعاون الإسلامي أخيراً.

وفي السياق، يؤكد المختص في الشأن الليبي أنّ الانتصار على "داعش" يكون بتوفر عوامل أساسية، أهمها "الاقتناع أن هذا الدور منوط بعهدة الجيش الليبي حصرياً، وأن يتم تسليح الجيش الليبي تسليحاً جيداً، ليتمكن من خوض الحرب ضد الإرهاب". كما يدعو الطبيب إلى رفع الحظر المفروض على عملية تسليح الجيش لأنه في الوقت الذي يعاني فيه حظراً تصل الإمدادات والأسلحة إلى التنظيمات المتشددة، على حد قوله.

ووفقاً للطبيب فإنّ حكومة السرّاج لديها العديد من الملفات الهامة والصعبة، لكن "لا تنمية ولا اقتصاد، ولا تطوير لليبيا، ما لم تحل مشكلة داعش وما لم يتم ضرب التنظيمات الإرهابية، فطالما داعش موجود، ستبقى الصراعات في ليبيا". ويشدّد الخبير في الشأن الليبي على أنّ عمر "داعش" سيحسب بالأيام في ليبيا، إذا نجحت حكومة السرّاج في تطبيق هذه الأساسيات. ويوضح أنه وفقاً لتقارير أميركية فإنه يوجد في ليبيا، ما بين 4 و6 آلاف مقاتل يتبعون لـ"داعش" في حين أنّ الفصائل المسلحة التابعة للقبائل الليبية كأولاد الوافي وسليمان والقذاذفة وغيرهم يصلون إلى أكثر من 20 ألف مقاتل ليبي، وجلّها تنبذ التطرف، وترغب في القضاء على التنظيمات المتشددة.

من جهته، يقول الخبير الأمني، العقيد السابق بالحرس الوطني، علي زرمدين، لـ"العربي الجديد"، إنّ الجماعات المتشددة تمكنت طيلة الأعوام الماضية من التمركز في ليبيا، ومن إيجاد حاضنة تمدها بالتموين والأسلحة. كما يلفت إلى أنّ المحيط الجغرافي ساعد هذه التنظيمات في ليبيا، إضافة إلى الانتشار الكبير للأسلحة. ويوضح أن "مافيا الحرب ارتبطت بهذه الجماعات ارتباطا كبيراً، كما أنّ مافيا التهريب لها علاقة بالإرهاب، إلى جانب المدّ الخارجي ووجود أطراف أخرى لها مصالح في المنطقة، وكان لها دور بارز في تغوّل الإرهاب"، على حد قوله. ووفقاً لزرمدين، فإنّ جلّ هذه العوامل تجعل مهمة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا صعبة، لكن هذه التنظيمات المتشددة، ومهما بلغت من قوة، فإنه يمكن القضاء عليها إذا حصل التفاف من الأطياف الليبية ضدها.

ويؤكد الخبير الأمني أنّه لا بد من خلق مؤسسات وهياكل تضع الولاء للوطن من ضمن أبرز أولوياتها، على أن لا تنضوي ضمن أي كيان أو مظلة أخرى بل تنصهر فقط في الدولة. كما يشير إلى أنه يتعين على دول الجوار أن تؤدي دورها في مساعدة هذه الحكومة من خلال تدريب الجيش، والأجهزة الأمنية، ومساعدتها استخباراتياً، ومساندتها من حيث الدعم اللوجستي والسياسي.

بدوره، يعتبر رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، مختار بن نصر، أنّه يوجد خيارات عدة أمام حكومة الوفاق الوطني لمحاربة "داعش" في ليبيا، أولها طلب المساعدة من الأمم المتحدة، وأن تحصل تحالفات وحتى دعم دولي للتصدي لـ"داعش". ويوضح بن نصر لـ"العربي الجديد" أنه يتوقع فرار بعض المجموعات إلى تونس، وهو ما يستدعي اليقظة التامة على الحدود التونسية الليبية. ويلفت إلى أنّ "داعش" ليبيا ليس بالقوة التي يعتقدها البعض، معتبراً أنه يمكن القضاء عليه تماماً مثلما حصل في مدن ليبية عدة كبنغازي.

ويشير بن نصر إلى أنه لا بد من التنسيق مع حكومة الوفاق الوطني لتأمين المعابر الحدودية، إذ إنه لا يوجد لغاية اليوم طرف واضح يتحكم في المعابر الحدودية، مبيناً أن مهمة حكومة السرّاج استعادة السيطرة على المعابر الحدودية، وهو ما "يساعد في محاربة الإرهاب وتفادي عديد المشاكل الحاصلة الآن"، على حد قوله.

ويشدد رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل على أن "القضاء على داعش ليبيا لن يكون مهمة سهلة أو بسيطة، لكن بتضافر الجهود ووضع اليد مع القبائل الليبية التي تنبذ الإرهاب والتطرف، وبتعاون الشعب الليبي الذي يرفض تواجد هذه الجماعات، فإنه يمكن القضاء عليها". ويعتبر بن نصر أنّ هذه الجماعات تمرّ بفترة ضعفـ إذ أنها تعيش صراعات على الزعامات ونقصاً في التمويل الذي كانت تحصل عليه من النفط، وبالتالي فإن كل هذه المستجدات يمكن أن تساعد حكومة الوفاق الوطني في التخلص من "داعش" ليبيا.