ما عليك معرفته حول قمة ترامب- بوتين في هلسنكي

16 يوليو 2018
ماذا سيتمخض عن القمة؟ (ميخائيل كليمنتيف/فرانس برس)
+ الخط -
تتوجه الأنظار، اليوم الإثنين، إلى هلسنكي عاصمة فنلندا، حيث يعقد لقاء قمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، وسط ترقّب للملفات التي ستُطرح، من سورية، إلى تدخل موسكو المحتمل بالانتخابات الرئاسية 2016، وكيفية تصرّف كل طرف باتجاه الآخر.

في قاعة فخمة بالقصر الرئاسي في هلسنكي الذي سيستضيف المباحثات، سيتواجه الرئيس الأميركي وجهاً لوجه مع بوتين؛ الزعيم السلطوي الذي أعرب في السابق عن إعجابه به، في لقاء فردي هو الأول من نوعه، بعد لقاءات في السابق على هامش قمم أخرى.

ومن المقرر أن يواصل القائدان مناقشاتهما مع مجموعة موسعة من المساعدين، ويتناولا الغداء في "قاعة المرايا"، التي كانت ذات مرة غرفة العرش في الإمبراطورية، ثم يتلقيا الأسئلة في مؤتمر صحافي، قبيل ذهابهما كل في سبيله.


ماذا سيُطرح في القمة؟

التدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الأميركية

يحوم فوق هلسنكي شبح التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، والتحقيق المتواصل الذي يجريه المحقق الخاص روبرت مولر، في التواطؤ المحتمل بين مسؤولي حملة ترامب وروسيا.

وتأتي القمة في وقت يدور فيه تساؤل حول ما إذا كان ترامب سوف ينتقد، وبصورة علنية، نظيره الروسي لتدخل بلاده في الانتخابات الأميركية، الأمر الذي وصفه ترامب مراراً بأنّه "مطاردة ساحرات".

وقال ترامب في بريطانيا، إحدى محطات جولته الأوروبية، الأسبوع الماضي، إنّه سيثير مع بوتين قضية التدخل بالانتخابات، على الرغم من أنّه قلل من أهمية الملف.

كما قال، في مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، أمس الأحد، إنّه لم يفكر في الطلب من بوتين تسليم ضباط من المخابرات العسكرية الروسية، الأسبوع الماضي، متهمين بخرق أهداف للحزب الديمقراطي.

وأدانت واشنطن، الأسبوع الماضي، 12 من ضباط المخابرات العسكرية الروسية، بتهمة قرصنة الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 2016، لمساعدة حملة ترامب الرئاسية.

ولكن بعد أن سُئل ترامب عن الموضوع، قال "سأسأل عن ذلك بالتأكيد"، على الرغم من أنّ تسليم المتهمين بعيد الاحتمال، إذ لا توجد بين واشنطن وموسكو معاهدة لتسليم المجرمين، ولا يمكن للولايات المتحدة إجبار الروس على تسليم مواطنين، كما يحظر دستور روسيا تسليم مواطنين إلى حكومات أجنبية.

ترامب وزوجته ميلانيا يصلان هلسنكي (جوناثان ناكتشراند/فرانس برس) 


ومن المرجّح أن يكرر بوتين إنكاره لأي تدخل بالانتخابات، ويعتبر تهم الولايات المتحدة بأنّها لا أساس لها من الصحة.

ورفضت وزارة الخارجية الروسية، الأسبوع الماضي، لائحة الاتهام، ووصفتها بأنّها جزء من "كوميديا مشينة قام بها أولئك الموجودون في الولايات المتحدة، والذين يحاولون منع تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة"، ورأت أنّ اللائحة تفتقر لأدلة تدعم الاتهامات.

سورية

يجري ترقّب لما سيُطرح خلال القمة بشأن سورية، وإمكانية التوصّل إلى صفقة محتملة حول مساعدة موسكو على التوسط في انسحاب القوات الإيرانية ووكلائها، "حزب الله" اللبناني، من المناطق الواقعة إلى جانب الحدود السورية مع إسرائيل، وهو ما يُنظر إليه على أنّه حركة دبلوماسية تعكس صورة العلاقات التي بنتها روسيا بعناية مع كل من إسرائيل وإيران.

واليوم الإثنين، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله، إنّ المباحثات بين ترامب وبوتين بشأن سورية ستكون "صعبة"، بسبب موقف الولايات المتحدة من إيران حليفة روسيا.

وأضاف بيسكوف، بحسب الوكالة، أنّه يأمل أن تمثل محادثات هلسكني "خطوة"، بعيداً عن الأزمة الراهنة في العلاقات الأميركية الروسية.


حلفاء أوروبا و"الناتو"... والقرم

من المرجّح ألا يعوّل بوتين من أجل اعتراف رسمي من قبل ترامب، بشأن ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، أو تخفيف العقوبات الأميركية، مدركاً أنّ الكونغرس الأميركي لن يسمح أبداً بمثل هذا الإجراء.

لكنّه قد يرحّب بما قد تُعتبر "نهاية رمزية" للاحتجاجات الأوروبية على موضوع شبه جزيرة القرم، وسط الزعزعة الواقعة في التحالفات التقليدية لواشنطن، بفعل مواقف ترامب.

وعندما سئل الرئيس الأميركي، الشهر الماضي، إن كان سيعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أجاب ترامب بقوله "سوف نرى".

وفي المقابلة مع شبكة "سي بي إس"، أمس الأحد، وصف ترامب الاتحاد الأوروبي، الكتلة التي تضم دولاً من العديد من أقرب حلفاء واشنطن، بأنّها "عدو". وقال ترامب: "أعتقد أنّ الاتحاد الأوروبي عدو، بما يفعلونه بنا في التجارة".


وجاء الهجوم على الاتحاد الأوروبي، في أعقاب الأداء الصارخ لترامب في قمة "الناتو" في بروكسل، الأسبوع الماضي، حيث انتقد بشدة الحلفاء التقليديين بشأن الإنفاق الدفاعي "المتأخر"، ليؤكد لاحقاً التزامه بالتحالف العسكري الذي طالما كان حصناً في وجه الخطر القادم من روسيا.

وعلى هذه الخلفية، وفي ظل عدم اليقين بشأن ما قد يفعله ترامب أو يقوله بعد ذلك، فإنّ القمة مع بوتين تنعقد في وقت يشعر فيه حلفاء واشنطن وساستها، بالقلق من أن يقدم ترامب تنازلات كبيرة متسرعة.

ويعتقد بعض الساسة في الغرب أنّ القمة ستنعقد، خلال واحد من أهم مفترقات الطرق للغرب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

ويخشى بعض حلفاء حلف الأطلسي من أنّ بوتين قد يسعى لإبرام اتفاق كبير يقوض الشراكة عبر الأطلسي، لا سيما أنّ ترامب تحدث بشكل مبهم، حول احتمال إيقاف المناورات الحربية لـ"الناتو" في منطقة البلطيق.


العلاقات الثنائية... ومهاجمة الإعلام

قبيل ساعات من انعقاد القمة مع بوتين في هلسنكي، اليوم الإثنين، قال ترامب، إنّ العلاقات الأميركية الروسية لم تكن أبداً بهذا السوء.

وكتب على "تويتر"، قائلاً إنّ "علاقاتنا مع روسيا لم تكن أبداً بمثل هذا السوء، ويرجع ذلك لسنوات عديدة من الحماقة الأميركية والغباء، والآن هذه الحملة الظالمة المصطنعة".


وبينما شنّ بوتين حملة على الصحافة الحرة، عشية القمة، كان ترامب أطلق بدوره سلسلة من الهجمات على وسائل الإعلام، عندما حطت طائرة الرئاسة الأولى إلى هلسنكي.

وقال ترامب، في تغريدة على "تويتر"، "لسوء الحظ، بغض النظر عن مدى حسن أدائي في القمة، إذا ما أُعطيت مدينة موسكو العظيمة، كقصاص لكل الخطايا والشرور التي ارتكبتها روسيا على مر السنين، فسوف أعود إلى هنا متلقياً النقد بأنّها لم تكن جيدة بما فيه الكفاية، وأنّه كان علي أن أحصل على سانت بطرسبرغ بالإضافة إلى ذلك!". وأضاف أنّ "الكثير من وسائل الإعلام عندنا، هي في الواقع عدوة الشعب".


وفي تغريدة ثانية، هنّأ ترامب بوتين على استضافة "واحدة من أفضل البطولات" على الإطلاق في كأس العالم.


خلال القمة، قد يتفق الزعيمان اللذان امتدحا قدرات بعضهما البعض القيادية عن بعد، على بدء زيادة عدد العاملين في سفارتي بلديهما، وعودة الممتلكات الدبلوماسية المصادرة بعد موجة من الطرد والتحركات العقابية، في أعقاب تسميم الجاسوس لروسي السابق في بريطانيا سيرغي سكريبال.

وبينما تحدث كل من بوتين وترامب عن الحاجة لمناقشة قضايا الحد من التسلح، فمن غير المحتمل أن يقوما بأي صفقات سريعة. وقد يؤكدان أهمية مواصلة المناقشات، تمهيداً لمباحثات على مستوى الخبراء.


خيارات ترامب وبوتين

على مدى تسعين دقيقة هي مدة لقاء القمة، ستتركّز الأنظار على الكيفية التي سيقارب خلالها ترامب وبوتين، الملفات المطروحة، فضلاً عن تعامل كل منهما مع الآخر.

وفي هذا الإطار، يرى مارك وينبرغ مستشار الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، أنّه يجب على ترامب أن يكون حذراً للغاية، في اللحظات الأولى، وأن يشير إلى أنّ تصرفات روسيا "لن يتم التسامح معها".

وكتب وينبرغ، على موقع "فوكس نيوز"، إنّه "من بداية الكلمات الافتتاحية، يجب على الرئيس أن يتكلم أولاً، وأن يعرف بالضبط ما سيقوله".


الخيار الأول، بحسب وينبرغ، هو أن يقول ترامب لبوتين: "نلتقي في فترة صعبة. لا يعجبني ما يحاول بلدكم فعله مع بلدنا. لدينا الكثير لأبحثه معك. دعنا نقوم بذلك".

أما الخيار الثاني فهو أن يقول ترامب، "سيدي الرئيس، هناك في بلادي من لم يرغبوا في عقد هذا الاجتماع، ولكن هناك بعض القضايا المثيرة للقلق للغاية بيننا، والتي لا يمكن تجاهلها".

ويعتبر وينبرغ، أنّ على ترامب أن يخاطب بوتين بـ"السيد الرئيس" وليس "فلاديمير" الاسم الأكثر ودية، على الرغم من أنّه يُقال إنّ بوتين يفضل أن يتخاطب مع ترامب بالاسم الأول.

وقال وينبرغ إنّه "يجب على ترامب أن يحافظ على مصافحة قصيرة المدى، وعلى تعبير صارم، وبكل تأكيد ألا يربت على كتف بوتين".

وكان وينبرغ أحد المشاركين في التخطيط لخمسة لقاءات بين ريغان وميخائيل غورباتشوف، لكنّه قال إنّ الفريق كان يغفل بشكل أساسي أهمية اللحظات القليلة الأولى، ولا يقترح على الرئيس الأميركي ما يقول أو يفعل، وهو ما كان يرجّح كفة زعيم الاتحاد السوفييتي.

وفي هذا الإطار يذكر وينبرغ "كالعادة، كان ريغان مهذباً، ويترك غورباتشوف يتكلم أولاً، ونتيجة لذلك، كان غورباتشوف الداهية أمام وسائل إعلام، والذي يتمتع بشخصية كارزماتية، يفوز بالمعركة الأولية لفريق العلاقات العامة".


ماذا سيتمخض عن القمة؟

يرى مراقبون أنّ القمة بينهما، تمثل حقل ألغام سياسيا محتملا في الداخل بالنسبة لترامب، بينما تمثل انتصاراً جيوسياسياً لنظيره الروسي.

ولا يتوقع أي من الطرفين أن تتمخض المحادثات في العاصمة الفنلندية عن انفراجات كبرى، باستثناء الكلمات الطيبة، والاتفاق على إصلاح العلاقات الأميركية الروسية المتدهورة، وربما التوصل لاتفاق بشأن بدء محادثات في قضايا مثل الأسلحة النووية وسورية.

قبل القمة، قلل الجانبان من قيمة الحدث إذ قال ترامب لشبكة "سي بي إس"، إنّه سيدخل القمة "بتوقعات منخفضة"، بينما قال جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي لشبكة "إيه بي سي"، إنّ الولايات المتحدة لا تتطلع لتحقيق "إنجازات"، وإنّ الاجتماع لن يكون منظماً.


وأبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تلفزيون "أر تي"، أنّ توقعاته منخفضة أيضاً. وقال إنّه سيعتبر القمة ناجحة، لو تمخضت فقط عن اتفاق لإصلاح خطوط الاتصالات التي انقطعت بين الجانبين.

وبالنسبة لبوتين فإنّ حقيقة عقد القمة، رغم حالة شبه النبذ التي تشهدها روسيا من بعض الأميركيين وحلفاء واشنطن، هي فوز جيوسياسي لأنّه يظهر، بالنسبة للروس، أنّ واشنطن تعترف بموسكو كقوة عظمى ينبغي وضع مصالحها في الاعتبار. وبالنسبة لروسيا فإنّها أيضاً مؤشر قومي على أنّ المساعي الغربية لعزلها فشلت.

لكن بالنسبة لترامب، الذي لا يزال يواجه تحقيق احتمال التواطؤ مع موسكو بالانتخابات الرئاسية، فإنّ القمة محفوفة بالكثير من المخاطر السياسية.

وحول ذلك، تقول نينا يانكوفيتش، الزميلة في معهد "كينان" التابع لمركز "ويلسون"، والمتخصص بشؤون روسيا وأوكرانيا والمعلومات الخاطئة، لـ"أسوشييتد برس"، "لم يفعل الروس أي شيء يستحقون عليه أن نلتقي بهم بهذه الطريقة".

وأضافت أنّه بالنسبة لبوتين "ليست القمة مجرد انقلاب في العلاقات، بغض النظر عما يحدث، فترامب قد لا يقول شيئاً، ومع ذلك قد يساعد على إضفاء الشرعية على نظامه (بوتين)".

وفي السياق، يقول أندري كورتنوف مدير مؤسسة "رياك" البحثية في موسكو، المقربة من وزارة الخارجية، لـ"رويترز"، "نستطيع أن نقول بثقة إنّ المخاطر السياسية على بوتين أقل بكثير من المخاطر على الرئيس ترامب".

وأضاف أنّ "بوتين ليس لديه الكثير ليخسره ولديه الكثير ليكسبه لأنّه ليست له معارضة في الداخل، وليس لديه برلمان ربما يكون عدائياً، كما أنّه لا يخضع للتحقيق مثل ترامب. لكن إذا نظرت إلى الإعلام الأميركي فإنّهم يركزون بشكل أساسي على المخاطر المحتملة. لا أحد هناك يعتقد أنّ هذه القمة ستنتهي على خير".


قمة تحيطها التظاهرات

عشية القمة، تظاهر ما بين ألفين و2500 شخص "دفاعاً عن حقوق الإنسان" في هلسنكي.

وفي مكان غير بعيد من القصر الرئاسي الذي يستضيف القمة، ندد المتظاهرون بسياسة الرئيسين وكتب على إحدى اللافتات "ترعيان الحروب لكن أوروبا تدفع الثمن".

تظاهرة في هلسنكي قيبل القمة (أليساندرو رامبازو/فرانس برس) 


وأكدت الأميركية كيرا فورليك (30 عاماً)، في حديث لـ"فرانس برس"، أنّها غادرت بلادها "للتخلص من" دونالد ترامب، معتبرة أنّ "ترامب ما كان عليه أن يلتقي بوتين".

وتساءلت" هل سيؤدي ترامب في مواجهة فلاديمير بوتين دور زعيم العالم الحر ويسائله عن أفعال روسيا ومواقفها؟ أم أنّه على العكس سيربت على كتف الرئيس الروسي كما فعل مع الصيني شي جينبينغ وحتى مع الكوري الشمالي كيم جونغ أون؟".

المساهمون